إن نسينا مباراة أول أمس السيئة لأسود الأطلس أمام جزر القمر، فلن تكون مباراة العودة غدا الثلاثاء بالسهلة، بل ستكون ظهيرة رعناء وفي أجواء مغايرة لطقوس الدار البيضاء، وظهيرة إنتقامية لخسارة مثلت لجزر القمر غصة معنوية ونفسية من جزاء قاتل. وهذا التصور يقرأه رونار جيدا وأصلا لأنه سيكون معنيا بالرد الآخر لأسود أطلس كانت متلاشية وفاترة في أسوأ مبارياتها التاريخية مع رونار. ولذلك يضع رونار نفسه أمام تحول الفوز كضرورة للقرب من التأهل، وضرورة قراءة الخصم بميدانه تحت رواسب الجهد البدني وحوافز الخصم الفنية والتكتيكية.

إنجاز الحيتان 
 أن يقف منتخب جزر القمر أو الحيتان النادرة أمام الأسود طيلة نزال هيتشكوكي إلى آخر الأنفاس التي قتلهم بجزاء غادر، لابد وأن يجازى على ذلك جملة وتفصيلا لأنه كان منتخبا شرسا ومنظما على المستوى التكتيكي بكل المقاييس الكروية لأنه أصلا يلعب كرة جميلة وراقية من وجوه يلعب أكثرها في هواة فرنسا مع وجوه أخرى تلعب بالسويد وصربيا وبلجيكا وفرنسا. ولعلكم شاهدتم كيف أحرج الأسود طيلة النزال قبل أن يستقيل بالجزاء المر. وإنجاز الحيتان بهذه الدرجة الفعالة من الإندفاع والمغامرة والقراءة التكتيكية للمدرب أميري عبدو الشاب، لا يمكن أن يذهب سدى لأنه منتخب أفضل من المالاوي ومنتخبات أخرى في القارة السمراء ولكن نقطته السوداء أنه يكبر فقط أمام من هو أقوى منه ولكنه يسقط أمام منتخبات أقل شأنا من الأسود والكامرون وغانا. ولكن يحسب لجزر القمر هذا الإنجاز البطولي حتى ولو خسر أمام الأسود بغصة قاتلة ولكنه كان رائعا في إيقاف الأسود مثلما أوقف الكامرون سابقا. 

أسود أمام واقع المفاجأة 
 صحيح أن الأسود تلقوا الدرس جيدا من جزر القمر، وتأكدوا من أن الإستصغار لا يفضي إلى النتيجة الحتمية حتى ولو فازوا بشق الأنفس لأنهم كانوا موضوعين أمام الخسارة في أوقات صعبة ومسبقة. ولكن ما هو مفيد أن المدرب كان هو المسؤول عن هذه الخلاصة العامة للمباراة حتى ولو نبه فريقه على عدم الإستصغار، لأنه هو من قدم الرجال والوصفة المطروحة في سياق متغيرات غياب كل من زياش المصاب وبلهندة لأسباب مجهولة كونهما يؤسسان لصناعة اللعب وبخاصة حكيم زياش. ولكن غيابهما طرح إشكالا جوهريا لمن يصنع اللعب، فلا بوصوفة ( السؤال الكبير) نجح في تقديم الوصفة ولا فيصل فجر كان هو عازف الللحظة لأنه كان موثقا بوسط الإرتداد ولا الأحمدي نجح في النزول الأمامي إعتبارا إلى أن إسقاطات بوصوفة هي التي أضاعت الحلول المنهجية للوسط علما أن يوسف أيت بناصر أصيب ولم يكن من خيار أمام رونار سوى المغامرة ببوصوفة. وفوق ذلك لم تكن الأطراف الدفاعية بذات النجاعة الهجومية المحظة إلا بعد أن خرج نبيل درار مصابا وتغيرت الأحوال بدخول منديل في مكانه الرئيسي وعودة الروح لحكيمي في مكانه المعهود وهو ما أعطى  للأطراف تنشيطا رائعا خلال الشوط الثاني. وفي كل الأحوال، إعتبرت المباراة بتفاصيلها مفاجأة غريبة ومدوية للأسود في نزال كان فيه الزوار خصما من عيار ثقيل وليس خصم الدروب والاحياء.

ADVERTISEMENTS

قراءة العودة 
 على مستوى النقاش العام لمباراة العودة المفروض فيها الفوز بلا قيود وعلى نفس الخصم، يبدو الحديث منصبا في إتجاه ما يمكن إيقافه في ملعب إصطناعي لن يكون بمقاس ملعب الدار البيضاء ولا قياس مع وجود الفارق لأن منتخب جزر القمر يحتك دائما بملعبه الصغير وبسياج قريب من الجماهير التي لا تتعدى ألفي متفرج، وهو ما يعني أن الأسود ستعاني كل الضغوط النفسية مثلما عاش ذلك منتخب الكامرون بعد أن تعادل بشق الأنفس في الجولة الثانية. ما يعني أن هذه القراءة معنية باتخاذ كافة تدابيرها، أما على مستوى نقاش النزال فهو واقع جوهري يؤكد بالملوس قوة جزر القمر بميدانه وحفظه العام لآليات الأرضية والتناغم الكبير الذي يجمع المجموعة باتحاد كلي وتضمني وأدائي كبير وحماسي من منطلق تحقيق رغبة جماهيرها لهزم الاقوياء وبلوغ التأهل المفترض. وما قدمه منتخب جزر القمر بالدار البيضاء لن يكون بنفس السهولة كما يعتقد البعض لأن جزر القمر يكون غولا بميدانه وسيكون أقوى مما نتصوره جميعا من معطى الخسارة القاتلة التي إعتبرها قاسية لتجاوز التوقيت النهائي للمباراة، وما يمكن أن يكون رد فعل هناك وجعل مباراة العودة مباراة عمر كما يقال في كرة القدم.

الحيتان ليست خارج النص 
التنقيط الحالي لجزر القمر ولو بنقطة يتيمة غير معنية بالخروج النهائي من المجموعة، لأنها موضوعة أمام النصر بميدانها أمام الأسود لقلب موازين المجموعة مقابل إحياء الأمل في إنتظار مواجهتي المالاوي والكامرون لمواصلة التحدي. وهذه النظرية الرقمية مطروحة بقوة أمام الأسود لأنهم سيجعلونها مباراة رد الإعتبار للخسارة القاتلة، ولن يناموا إلا على الثأر بقوة ما حضر بالدار البيضاء. وما يؤكد هذه الفرضية أن جزر القمر يملك من المؤهلات البشرية رغم حضورها في بطولات غير متكافئة، ولكنها تؤسس لثقافة تضامنية بأسلوب جماعي ينطلق من الدفاع نحو الهجوم، وامتلاك السرعة والإنتشار الكبير في المساحات الفارغة التي قدمها الفريق الوطني المغربي في كثير من الأوقات، وقوة العودة إلى الخلف حتى بمهاجميه للمؤازة بأدوار مزدوجة تستلزم لياقة بدنية عالية. وعلى هذا الأساس بنى منتخب جزر القمر قراءته لأداء المغرب وأوقفه جملة وتفصيلا وأدخله في النهاية مرحلة الشك في قدراته.

رواسب اللياقة والإرادة 
هنا يطرح السؤال الكبير حول نزال العودة غدا الثلاثاء في عز النهار والحر، هل سيكون للإجهاد البدني والسفر بنفس المسافة لجزر القمر خاصة دور كبير على تفاصيل المباراة سيما أمام منتخب مغربي مختص لدى أبرز لاعبيه أنه يلعب على الأقل مبارتين  في الأسبوع على المستوى الأوروبي؟ وهل سيقدم رونار نفس الوصفة المتواضعة بالدار البيضاء بمعقل جزر القمر؟ وكيف سيكون اختبار الأسود في ملعب صغير الحجم لم يتعودوا اللعب فيه أوروبيا وعالميا؟ وكيف سيلعب رونار مباراته بشريا وتكتيكيا لنيل طموح القرب من التأهل لأنه لو فاز بالمباراة أصلا سيرفع نسبة التأهل بدرجة عاية جدا وسيخرج جزر القمر من السباق أساسا؟ كل هذه القراءات يضعها رونار في الحسبان لأنه بوصوله إلى جزر القمر سيتأكد كيف ولماذا انتزع الكامرون تعادله في اللحظات الأخيرة من المباراة، وربما يكون درس الدار البيضاء مفيدا لتهييئ كوموندو مغاير لطبيعة ما سنشاهده بجزر القمر. ومن البديهي أن درار لن يلعب المباراة وستستقر أوضاع الأطراف بحكيمي ومنديل مع  ثنائية متوسط الدفاع المعتادة، لكن بأي وسط ولو أن الأحمدي وفجر سيكونان هما رجلي الوسط في انتظار من سيؤهل لصناعة اللعب موازاة مع إشراك المهاجمين أمرابط والنصيري إلى جانب أسماء أخرى (الكعبي أو أزارو) علما ان بوطيب كان بعيدا كل البعد عن ادائه العالي، ما يعني أن رونار سيلعب بشاكلة 4 – 2 – 3 – 1 وتغييرها إن إقتضى الحاال أمام نهج الخصم الهجومي علما أن جزر القمر سيلعب على الهجوم كليا ويعرف تماما أن الملعب الإصطناعي سيؤثر على الأسود مطلقا كعامل أساسي لا بد أن نضعه في الإعتبار موازاة مع رواسب اللياقة البدنية التي يفرضها الملعب الإصطناعي وما يمكن أن يشكله على مستوى حر منتصف النهار فوق ذات الأرضية.

ضرورة الفوز 
 ويعرف رونار والأسود أن الفوز بأي طريقة ضرورة حثمية للقرب كثيرا التأهل، أن الفوز سيقصي جزر القمر نهائيا وسيضع الأسود أمام خيارات ضمان التأهل العام في أحد المبارتين المتبقيتين ضد الكامرون والمالاوي. والفوز بجزر القمر وإن صعبا يفرض كوموندو قتالي على كل المستويات وبقناع ما يقرأه فكريا على منتخب الحيتان الذي لم يهضم الخسارة وتهجم على حكم المباراة، ما يعني أنه سيلعب مباراة عمر بميدانه وسيقاتل من أجل الفوز بكل المواصفات سيما وأنه يلعب كرة قدم راقية بدون خشونة. ولكن ما هو مفروض على أسود الأطلس أن يكونوا أهلا لهذه المواجهة الصعبة الإكتشاف، ويقرأوا تداعيات خسارة الخصم وتبعات ما ينتظرهم هناك سيما مما سيفعله وسينهجه رونار بشريا وتكتيكيا دون ترك المساحات الشاسعة ليلعب فيها الخصم كما يشاء، ولو ترك رونار هذه المنافذ سيخسر الرهان لكون جزر القمر يثقن المرتد الخاطف ولديه ثلاثي خطير في الهجوم من قيمة القناص الفاردو وفايز سبيمان وعلي عبد الله.