منع لاعبين من السفر، إقالة جهاز تقني لمنتخب الفتيان، وانسحاب من دورة الألعاب الآسيوية المقبلة... هذه بعض أوجه الفساد في كرة القدم العراقية التي طفت الى السطح في الأيام الماضية، بعد أعوام من تجذرها في اللعبة الشعبية.
في الأشهر الماضية، سلطت الأضواء بشكل أكبر على اللعبة في العراق، بعد القرار المنتظر منذ أعوام طويلة من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) برفع الحظر المفروض على استضافة المباريات الرسمية في البلاد.
الا ان الأعين في الأيام الماضية سلطت بشكل أكبر على مظاهر تزوير في اللعبة التي يتابعها العراقيون بشغف كبير، ما دفع برياضيين ومسؤولين الى التحذير من تبعات عدم مواجهة هذه المظاهر في بلاد ينخرها الفساد حتى العظم، وصنفت في المركز 168 (من أصل 180) بين الدول الأكثر فسادا، بحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية عام 2017.
أول الضحايا كان الجهاز التقني والإداري لمنتخب الفتيان الذي وصل الى مطار بغداد في طريقه الى عمان للمشاركة في مسابقة لدول غرب آسيا للاعبين ما دون 16 عاما. تبين لسلطات المطار ان تسعة لاعبين على الأقل يستخدمون وثائق مزورة الهدف منها إخفاء عمرهم الحقيقي.
أكدت هذه الحادثة ما تداوله منذ فترة ناشطون عراقيون في مكافحة الفساد، اذ نشروا عبر الانترنت أن عددا من لاعبي منتخب الناشئين تخطوا الثامنة عشرة من العمر، بدليل اقتراعهم في الانتخابات التشريعية الأخيرة، والتي لا يحق لمن دون هذا العمر المشاركة فيها.
ولتفادي غرامة تصل الى 30 ألف دولار في حال الانسحاب من مسابقة غرب آسيا، أشرك الاتحاد العراقي منتخب الأشبال (دون 14 عاما) بدلا من الفتيان الذي تكشفت فضيحته في مطار بغداد يوم 30 يوليوز.
بعد يومين، أعلن الاتحاد العراقي بشكل مفاجئ عدم مشاركة المنتخب الأولمبي في دورة الألعاب الآسيوية التي تستضيفها أندونيسيا بدءا من 18 غشت. وفي حين كان السبب المعلن عدم الاستعداد الكافي ورفض أندية السماح للاعبيها الالتحاق بالمنتخب، يسود اعتقاد أن السلطات الكروية، وبعد أزمة منتخب الناشئين، أرادت تفادي فضيحة أخرى.
وذكر الاتحاد في بيان أن "عدم الاستعداد الجيد ورفض ناديي النفط والقوة الجوية اللذان ينتظران استحقاقا في كأس الأندية العربية، بالتحاق لاعبيهما في صفوف المنتخب الاولمبي، وراء الانسحاب من مسابقة كرة القدم".
إلا أن الناشطين الذين تحدثوا عن تزوير أعمار لاعبي منتخب الفتيان، أشاروا الى وجود حالات مماثلة في المنتخب الأولمبي (دون 23 عاما)، قد تطال 17 لاعبا من أصل تشكيلة اللاعبين الـ 23.
كما أن مسؤولين في الناديين اللذين ذكرهما بيان الاتحاد، أكدوا عدم رفضهم التحاق اللاعبين بالمنتخب.
وقال مدرب فريق النفط حسن أحمد لوكالة فرانس برس "نحن لم نمنع لاعبينا من الالتحاق (...) لدينا ثلاثة لاعبين التحقوا بمعسكر المنتخب في أربيل وخاضوا مباراتين وديتين أمام الأولمبي الإيراني، ونهتم كثيرا بالتحاق اللاعبين بصفوف أي منتخب لأن ذلك يمنحهم الثقة والتجربة والخبرة".
أضاف "الشارع الرياضي العراقي يعرف جيدا أسباب الانسحاب من مسابقة كرة القدم في دورة الألعاب الآسيوية"، وأن ذلك مرده الى "الخوف من اكتشاف حالات تزوير جديدة قد تجتاح صفوف المنتخب الأولمبي وتجنب هزة ثانية بعد حادثة منتخب الناشئين".
وأشار الى أن هذا التخوف لم يعد محليا فقط "بل من الخارج (أيضا)، فالمنتخبات التي تواجه منتخباتنا ضمن بطولات الفئات العمرية القارية بدأت تتقصى أعمار لاعبي المنتخبات العراقية".
وأعربت اللجنة الأولمبية العراقية عن قلقها حيال قرار الانسحاب، متخوفة من أن يؤدي الى فرض غرامة مالية قاسية. وقال رئيسها رعد حمودي لفرانس برس "للأسف نتوقع فرض غرامة على العراق قد تصل الى 100 ألف دولار وحرماننا من المشاركة في مسابقة كرة القدم للدورة المقبلة".
منتخب آخر من الفئات الصغرى كان أيضا ضحية هذه المخاوف، هو منتخب الشباب (دون 19 عاما) الذي سيخضع لـ "إعادة هيكلة" وتدقيق، وذلك قبل مشاركته في نهائيات كأس آسيا 2018 التي تقام أواخر العام.
وذكر المدير الإداري للمنتخب جليل صالح "قررنا إعادة هيكلة المنتخب واختيار قائمة جديدة. سندقق في وثائق اللاعبين وجوازات سفرهم وسنتابعها في كل الدوائر الصادرة منها (...) الآن سنتابع ونراقب تلك الجوازات".
وبحسب النجم السابق لكرة القدم كريم صدام، فالاتحاد العراقي للعبة "يحاول بأي شكل وبأي ثمن أن تحقق المنتخبات إنجازا ونجاحا يحسب له، لذلك يغض الطرف عن وجود لاعبين مزورين مع منتخباته".
أضاف اللاعب الذي خاض غمار مونديال 1986 مع المنتخب "عندما تحقق المنتخبات الإنجازات في ظل وحود لاعبين بأعمار غير حقيقية، يعطي الاتحاد رسالة الى الآخرين خصوصا المعترضين على عمله رسالة بأنه نجح في مهامه وهذا بالطبع يخفف من التوتر" الذي يشوب علاقته مع أطراف رياضية عدة في البلاد، بحسب الدولي السابق.
بعيدا من الخلافات الآنية، يعتبر الإعلامي العراقي زيدان الربيعي ان الفساد، لاسيما لجهة تزوير الأعمار، متجذر في الرياضة العراقية.
ويقول أن ذلك يعتبر "جزءا من ثقافة التزوير الشائعة الآن في المجتمع العراقي وانطلقت منذ تسعينيات القرن الماضي" لمواجهة الحصار الدولي الذي فرض على البلاد في عهد الرئيس السابق صدام حسين.
يضيف "في تلك الفترة ظهرت عملية تزوير العملة ثم تزوير الوثائق الرسمية سواء كانت جواز سفر أو وثيقة الخدمة العسكرية ووصل التزوير حتى الى صناعة المواد الغذائية محليا. والإقدام على تزوير أعمار اللاعبين جزء من هذه اللعبة التي لم تتعامل معها السلطات بما هو مناسب".