وضعت مدينة يكاترينبورغ الروسية خلفها ماضيها كحاضنة للجريمة المنظمة وعمليات القتل الممنهجة، لتصبح إحدى المدن المرحبة بشغف كرة القدم خلال كأس العالم 2018، حالمة بمستقبل أكثر إشراقا.

يبلغ عدد سكان هذه المدينة الصناعية 1,5 مليون نسمة. تقع في الشرق الروسي، على بعد أكثر من ألف كلم من العاصمة موسكو. هي أقصى مدينة في شرق البلاد تستضيف مباريات في المونديال الممتد حتى 15 تموز/يوليو، ومنها اللقاء الخميس بين فرنسا والبيرو ضمن الجولة الثانية لمنافسات المجموعة الثالثة.

تؤكد جولة في مقابر المدينة التحول الكبير الذي شهدته يكاترينبورغ في العقدين الماضيين، لتصبح قادرة على استضافة مباريات من الحدث الأبرز عالميا في اللعبة الشعبية، والذي ينتظره المشجعون كل أربعة أعوام.

ADVERTISEMENTS

وبين شواهد قبور القادة السوفياتيين السابقين واستاذة الجامعات وأبطال "الجيش الأحمر"، يبرز قبر ميخائيل كوشين الصامد رغم مرور السنوات.

الشاهد على قبره يقدم عنه صورة بالحجم الحقيقي، مرتديا بذلة رسمية ومن يده اليسرى تتدلى مفاتيح سيارة مرسيدس. إشارة لا لبس فيها لنمط الحياة المترف والممول من الجريمة المنظمة لهذا العضو السابق في "المافيا الروسية" التي سيطرت على المدينة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي (1991).

بعدها ثلاث سنوات، اغتيل كوشين وهو في الرابعة والثلاثين من العمر.

على بعد خطوات في مقبرة شيروكوريشينسكوي غير البعيدة عن وسط المدينة، دفن قياديون آخرون من هذه العصابة. قضى عدد كبير منهم في حرب عصابات متبادلة اندلعت في يكاترينبورغ خلال التسعينات، بين ما كان يعرف بـ "العصابة المركزية" وغريمتها "أورالماش".

في حقبة انهار فيها الاقتصاد، تقاتلت العصابات من أجل كل شيء: نوادي القمار والكازينوهات، المصانع الكبيرة في المدينة، وصولا الى "حماية" المتاجر المحلية، في خطوة كانت تحايلا منمقا على ابتزازها.

فترة مظلمة في تاريخ المدينة يفضل سكانها نسيانها، على رغم ان القبور وشواهدها ستبقى حاضرة لتذكيرهم بها.

وتقول ماري تريتياك المتحدرة من يكاترينبورغ والخبيرة في تاريخها "هذا هو الجزء السيء السمعة من تاريخنا حيث لم نتمكن من اجتياز الفترة الانتقالية (بين النظام الاشتراكي والرأسمالية) بطريقة سليمة وجميلة".

وتتابع "ولكن في تلك الفترة لم يكن هناك أي طريقة اخرى لكسب المال، وأراد العديد من الشبان أن يكونوا أعضاء في هذه العصابات".

هيمنت العصابات والمافيات على العديد من المدن الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. لكن بحسب تريتياك، كانت المشكلة أكثر حدة في يكاترينبورغ نظرا لثرواتها ومصانعها وشركات المناجم.

في الحي الشمالي من أورالماش، مقبرة أخرى تحتضن أفراد العصابات المغدورين، في قبور فخمة تصل قيمة شواهدها الى 2,5 مليوني روبل (40 ألف دولار أميركي). هؤلاء هم قادة "عصابة أورالماش" التي سميت كذلك تيمنا بهذه المنطقة ومصانع ثقيلة التي ما زالت حاضرة في الضواحي.

وعلى غرار رجال العصابات "المركزيين" في مركز يكاترينبورغ، قتل أعضاء عصابة أورالماش خلال حقبة التسعينات، وبعضهم في أعمار شابة.

وضعت الزهور الى جانب تماثيل نصفية لثلاثة زعماء من أورالماش، علما ان المقابر جهزت المقابر بكاميرات مراقبة لدرء المخربين واللصوص وحتى السياح.

وتقول تريتياك، المرشدة في وكالة يكاترينبورغ "فور يو" (من أجلك) السياحية "ابتكرت العصابتان أساليب مختلفة لتصفية" أفراد كل منهما.

عندما كانت إحدى محاولات الاغتيال تبوء بالفشل، كان قتلة الضحية يستخدمون نفوذهم لقطع التيار الكهربائي عن جزء من المدينة، مما كان يؤدي الى ايقاف عمل آلة الانعاش في المستشفى التي يرقد فيها الجريح.

وتؤكد تريتياك "يمكن القول أن عصابة أورالماش سيطرت على كل اجزاء المدينة وكانت مؤثرة وقوية جدا هنا"، مضيفة انه بعد التخلص من خصومهم، كان مصير زعمار أورالماش اما القتل أو دخول معترك السياسة، أو التحول الى عالم الأعمال الشرعية.

آخر زعمائها ألكسندر خاباروف، توفي في السجن عام 2005 في ظروف غامضة، ما أشر الى نهاية حقبة عنيفة في تاريخ مدينة يكاترينبورغ.

وتتابع تريتياك ان المدينة "تبدلت كثيرا، تصبح أوروية أكثر وأكثر، ومعولمة"، مضيفة "انها مدينة حديثة، التواجد في شوارعها آمن، وكل البنى التحتية تغيرت (...) الآن إدارة المدينة هي التي تسيطر عليها وليس العصابات".

ADVERTISEMENTS

وترى ترتياك في كأس العالم فرصة إيجابية تتوج عودة المدينة الى حال طبيعية بعد أعوام مظلمة. وتقول "يبدو ان كأس العالم شكلت فرصة ليسمع العديد من الناس باسم مديتنا للمرة الأولى".

تتابع "هذا أمر جيد للترويج لنا وسيجذب المزيد من الناس للعودة".