في كل مرة تتزامن فيها المنافسات الرياضية مع شهر رمضان المبارك، يطفو على السطح جدل متجدد حول مدى حق الرياضيين المسلمين في الإفطار خلال نهارات هذا الشهر الفضيل، حيث تتوزع الآراء بين موافق على هذا الأمر باعتباره "المشقة المترتبة عن اللعب"، وبين من يعتبر أن الصوم فرض عين لا يجوز إسقاطه إلا بعذر شرعي كالسفر أو المرض.

ولعل لهذا الجدل ما يبرره خلال شهر رمضان الجاري، ولا سيما في الدول الإسلامية التي تشارك في منافسات كأس العالم لكرة القدم (روسيا 2018)، حيث تتزامن العديد من المباريات الودية المبرمجة استعدادا لهذه التظاهرة مع أيام من الشهر الفضيل.

وفي السنغال، البلد الذي تبلغ ساكنة المسلمين فيه 94 في المائة، برز هذا الجدل بضعة أسابيع قبل حلول رمضان، حيث يفترض أن يجري منتخب كرة القدم بهذا البلد عددا من المباريات الودية تحضيرا لمشاركته في نهائيات كأس العالم لكرة القدم.

ADVERTISEMENTS

بداية هذا الجدل بدأت مع تصريح للناخب السنغالي، اليو سيسي، قال فيه إن لاعبي فريقه لن يصوموا خلال أيام المنافسات الودية التحضيرية. ونقلت وسائل إعلام محلية عديدة أن سيسي يرغب في أن يمكن لاعبيه من الإبقاء على لياقتهم خلال هذه الفترة لاسيما وأنها تتزامن مع ارتفاع في درجات الحرارة.

وحسب المصدر ذاته، فإن اللاعبين السنغاليين "أجمعوا" على الإفطار خلال أيام المنافسات على أساس قضائها في ما بعد، وذلك بالنظر "للطابع الخاص لتظاهرة كأس العالم التي تجرى خلال فترة خاصة من السنة للاعب أن يقع فيها ضحية اجتفاف".

ويفترض أن يخوض المنتخب السنغالي لكرة القدم مباراتين وديتين استعدادا لكأس العالم، وذلك يومي 31 ماي الجاري (15 رمضان) ضد اللوكسمبورغ، و8 يونيو المقبل (23 رمضان) ضد كرواتيا في زغرب. كما يسعى مسيرو الجامعة السنغالية لكرة القدم إلى إيجاد منتخب أسيوي أو جنوب-أمريكي من أجل إجراء مقابلة ودية يوم 12 يونيو (27 رمضان) بدكار.

وإذا كان الناخب السنغالي يرفض أن يصوم لاعبوه نهارات رمضان أيام المنافسات المبرمجة، فإن غيرنوت رور، مدرب المنتخب النيجيري الذي يستعد بدوره للمشاركة في كأس العالم بروسيا، كان له موقف آخر تماما.

وحسب وسائل إعلام نيجيرية، فإن رور لا يرى أي مشكل في جمع اللاعبين المسلمين في فريقه بين الصوم وخوض المباريات الودية التحضيرية لكأس العالم، والتي تتزامن مع شهر رمضان. وقال رور خلال برنامج إذاعي محلي إن "لاعبي المسلمين أحرار في صوم رمضان. لا مشكل لدي مع ذلك".

ومن المرتقب أن يخوض نسور نيجيريا مقابلتين وديتين ضد كل من الكونغو الديمقراطية يوم 28 ماي (12 رمضان)، وإنجلترا يوم 2 يونيو المقبل (17 رمضان).

ورغم أن موفقي المدربين السنغالي والنيجيري كانا مختلفين تماما، إلا أن رأي المختصين في العلوم الشرعية يجعل بالإمكان القول بأن كلاهما على صواب.

وفي هذا الصدد، يقول رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بالسنغال، الشيخ سي أحمد إيان، إن المباريات الودية إذا كانت ستجرى في دول أخرى غير الدولة التي يقطن فيها اللاعبون، فإن من حق هؤلاء اللاعبين أن يفطروا.

وأوضح السيد إيان في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن حكم اللاعبين في هذه الحالة هو نفسه حكم المسافر الذي يجوز له الأخذ برخصة الإفطار في رمضان مصداقا لقوله تعالى " فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر".

أما إذا كان اللاعبون سيخوضون مبارياتهم في بلدهم، وفي مكان هو دون مسافة القصر (83 كيلومتر)، يضيف السيد إيان، فإن هذا الأمر أثار خلافا بين العلماء.

ويرى فريق أنه إذا كان العمل ضروريا خلال شهر رمضان وشاقا فعلى العامل أن يختار بين الإفطار أو مواصلة الصوم، فيما يرى فريق آخر أن لعب كرة القدم يتطلب جهدا ومشقة، وهو ما يجعل من الجائز بالنسبة للاعبين أن يفطروا في أيام المباريات ويقضوا هذه الأيام بعد شهر رمضان.

وحسب الرأي الخاص لرئيس المجلس الإسلامي الأعلى بالسنغال، "وهو الرأي الذي يشاطرني فيه الكثير من العلماء، فإن للاعبين أن يفطروا أيام المباريات على أن يقضوا ما أفطروه بعد رمضان"، مشيرا في هذا الصدد إلى الأهمية التي باتت تحتلها رياضة كرة القدم والملتقيات الدولية الخاصة بها وطنيا وعالميا.

وكانت دول إسلامية أخرى مشاركة في كأس العالم (روسيا 2018) من قبيل مصر والعربية السعودية شهدت بروز فتاوى تبيح للاعبين الإفطار خلال شهر رمضان.

وفي السعودية، تداولت وسائل الإعلام تصريحا لصالح المغامسي، الإمام وخطيب مسجد قباء بالعربية السعودية، قال فيه للتلفزيون السعودي إن "لاعبي المنتخب السعودي يجوز لهم الإفطار في أثناء سفرهم لكأس العالم، وعليهم أن يحتسبوا لرفع شأن الإسلام".

ADVERTISEMENTS

وفي مصر أيضا، أجاز مفتي البلاد، شوقي علام، إفطار لاعبي المنتخب المصري في مونديال روسيا المقبل حيث تتزامن تدريباته وإحدى المباريات الرسمية له، مع شهر رمضان.

وقال علام إن حكم السفر "ينسحب على مهمة لاعبي المنتخب أثناء مباريات مونديال روسيا 2018، وإن هذه قاعدة عامة، ونرتكن في حل إفطارهم إلى قاعدة السفر إلى أن يعودوا، بناء على الحكم الموسع لمدة السفر".