بعدما نشأوا في أندية فرنسية أساسية ولم ينالوا فرصة للدفاع عن ألوانها، وجد لاعبون فرنسيون من أصل جزائري ضالتهم في أندية دوري كرة القدم الجزائري، حيث يوفرون للأندية موهبة احترافية، دون ان يؤثروا على "الكوطا" المحدودة للاعبيها الأجانب.

وبحسب دراسة نشرها المركز الدولي للدراسات الرياضية في جنيف العام الماضي، تشكل الجزائر الوجهة الاولى خارج أوروبا للاعبين الفرنسيين، حيث يبلغ عددهم 33 من أصل 350 لاعبا محترفا في 16 ناديا في بطولة الدرجة الأولى في الجزائر، بحسب احصاءات عصبة البطولة.

وبحسب الدراسة، فهؤلاء هم "من أصول جزائرية عادوا للعب في بلد آبائهم لمواصلة مشوارهم الاحترافي" في البلاد حيث يعتبرون بمثابة لاعبين محليين نظرا لحملهم جواز السفر الجزائري.

من هؤلاء، مهدي حمزة الورتاني الذي كان يحلم بالاحتراف في فرنسا حيث بدأ مسيرته في نادي مرسيليا العريق، إلا ان تجربته الكروية قادته في نهاية المطاف الى نادي نصر حسين داي في الدرجة الأولى الجزائرية.

بدأت قصة الورتاني (27 عاما) مع كرة القدم في المدينة الجنوبية الفرنسية حيث ولد لأب تونسي وأم جزائرية. تدرب ولعب في فريق ما دون 19 عاما، قبل ان يخوض تجربة في ايستر المتواضع. بعد ذلك، انتقل الى تونس حيث تنقل بين أندية عدة منها النادي الرياضي البنزرتي والشبيبة الرياضية القيروانية، قبل ان يلتحق بنادي نصر حسين داي عام 2016.

ويقول الورتاني ان هدف قدومه الى الجزائر كان محاولة البروز "من أجل العودة الى أوروبا ومواصلة مشواري الاحترافي، لكنني فشلت في ذلك".

ويروي على هامش تدريب مع ناديه بملعب الزيوي بحي حسين داي، "بعد مشاركة مقبولة في البطولة العربية (2017)، لعبت خلالها كل المباريات، حاولت العودة الى الاحتراف في فرنسا مع فريق تولوز، لكن المنافسة كانت قوية من لاعبين لديهم مئات المباريات في العصبة المحترفة الفرنسية".

ولا ينكر الورتاني "ان المال ايضا يجذب للجزائر"، لاسيما وان الرواتب في بعض الأندية تقارب "الدرجة الثانية الفرنسية وبعض نوادي الدرجة الاولى".

وبحسب تقرير لرابطة الاندية الجزائرية، تراوح أجور لاعبي الدرجة الأولى بين مليون وثلاثة ملايين دينار (7500 اورو و22500 اورو) شهريا.

بدأت "الهجرة المعاكسة" للاعبين يحملون الجنسيتين، مع خالد لموشية خريج مدرسة ليون الذي انتقل للعب في وفاق سطيف في موسم 2006-2007، وأصبح في مرحلة لاحقة من الاساسيين في المنتخب الجزائري.

وبحسب ما روى اللاعب لصحيفة "لو موند" الفرنسية عام 2009، أدى هذا الانتقال الى زيادة مهمة في راتبه الشهري الذي وصل الى خمسة آلاف اورو. كما حقق نجاحات على صعيد الألقاب: البطولة الجزائرية مرتين، كأس الجزائر مرتين، نهائي كأس الكونفدرالية الافريقية... وصولا الى استدعائه عام 2008 الى المنتخب الجزائري الذي خاض معه 30 مباراة دولية.

في العام 2015، منع الاتحادية الجزائرية انتداب لاعبين أجانب نظرا للظروف المالية للأندية، ما أدى الى تزايد في أعداد اللاعبين "المغتربين" من حاملي الجنسية الجزائرية، والذين لا يحتاجون بالتالي لرخصة خاصة.

وسارت الاندية الجزائرية على خطى الاتحاد باستقدام لاعبين فرنسيين-جزائريين يلعبون بصفتهم محليين لتدعيم صفوفها، مستفيدة من تكوينهم الجيد في أندية فرنسية، بدل استقدام أجانب يكلفون مبالغ طائلة.

وفتح الباب لعدد من اللاعبين المزدوجي الجنسية للانضمام الى المنتخب الجزائري، لكونهم لم يدافعوا عن ألوان المنتخب الفرنسي الأول، ومنهم حسان يبدة ومراد مغني (فازا بكأس العالم مع منتخب فرنسا لما دون 17 عاما في 2001)، وغيرهم.

وعلى رغم ان الاتحاد أتاح مجددا للأندية في الموسم الحالي استقدام لاعبين أجانب، الا ان العصبة وضعت قيودا صارمة على ذلك، أهمها امتلاك الموارد المالية الكافية لدفع أجورهم.

وبحسب وكيل اللاعبين حسين جناد، فالأندية الجزائرية وجدت حلا يخلصها من القيود التي تفرضها الرابطة باستقدام "لاعبين أجانب في ثوب لاعبين محليين"، أي "اللاعبين المزدوجي الجنسية".

ولا تسمح قوانين كرة القدم في الجزائر بتسجيل سوى ثلاثة لاعبين أجانب في كل ناد ومشاركة لاعبين اثنين فقط في المباراة الواحدة.

ويقول نبيل نغيز مساعد المدرب السابق للمنتخب الجزائري لفرانس برس ان مستوى اللاعبين الوافدين من فرنسا "جيد من الناحية الفنية والبدنية"، الا انه يتحدث عن "صعوبة تأقلم" بعض اللاعبين مع النوادي الجزائرية.

يضيف "ما ينقصهم هو التأقلم مع كرة القدم في الجزائر".

صعوبة هذا "التأقلم" دفعت باللاعب وليد بوراوي (20 سنة) الذي سعى بكل جهد للعب في الجزائر، ودفع كلفة تسريحه من ناديه المكون في فرنسا (ايفيان)، الى مغادرة الجزائر بعد قدومه اليها.

ويروي لفرانس برس أنه بعد ان وقع عقدا لخمس سنوات مع نادي شباب بلوزداد في الدرجة الأولى، "بقناعة اللعب في أعلى مستوى" عاد وفسخ العقد "نظرا لظروف الصعبة للعمل" وانتقل الى الدرجة الخامسة باسبانيا.

وشكا اللاعب من عدم توفير مسكن له كما جاء في العقد، مضيفا "تصوروا ان حتى عدد الكرات غير كاف لاجراء تدريبات في ظروف جيدة"، لذلك "فضلت ان اغادر قبل ان أبدأ" على رغم أمله باللعب للمنتخب.