وقف الفريق الوطني على حقيقة ما ينتظره الصيف القادم بروسيا، وهو يدخل المونديال الخامس له، متحفزا لترك بصمة قوية وأيضا لتأكيد علاقة العشق والإبداع التي تربطه منذ 48 سنة بكأس العالم، وأدرك الفريق الوطني فعلا كم سيكون بحاجة إلى طاقة كبيرة من الإلهام والتخيل ليفرض نفسه داخل مجموعة حيرت بفسيفسائها وتركيبتها العجيبة كل الخبراء والمحللين فلم يتفقوا لها على إسم ولا على وصف.
مع لاروخا الإسباني ومع السيليساو البرتغالي ومع القطار الإيراني الرهيب، سيكون أسود الأطلس وسط العديد من الأفلاك والمجرات، بل وسيكون تحت تأثير جاذبية رهيبة، لأن التأهل عن المجموعة الثانية وسط هذه القروش والحيثان، هو كتابة لصفحة جديدة من الأمجاد بل هو نواة أولى لأسطورة سيذكرها بالفعل تاريخ المونديال.
فهل كانت القرعة قاسية وعصية ومتمردة على الفريق الوطني وهي ترميه في المجموعة الثانية برفقة البرتغال، إسبانيا وإيران؟
وهل يملك أسود الأطلس في حضور كل هذه التماسيح حظوظا لعبور نهر الدور الأول؟
مجموعة كاملة الأوصاف
ذهب المنتخب البرتغالي إلى المجموعة الثانية ليقف على رأسها، بحكم أنه صنف مع الثمانية الأوائل في قبعة رؤوس المجموعات، ولم يحرك أي منا ساكنا، ولا حتى المئات من المدعوين الذين أخذوا لهم مكانا في القاعة الإمبراطورية لقصر الكرملين بموسكو، إلا أنه مع الشروع في توزيع منتخبات القبعة الثانية على المجموعات الثمانية، من خلال الأساطير الثمانية التي وكلت لهم مهمة رسم معالم المجموعات المونديالية، علا الزفير وتحرك موج القلق ليحدث رجة في الصدور.
ذهبت الأوروغواي إلى مجموعة روسيا المنتخب المستضيف البطولة، وبعدها خرج من الوعاء منتخب إسبانيا وبحث له الكل على مكان، وفي برهة من الزمن كانت كرة أخرى تشير على لاروخا بالذهاب رأسا إلى المجموعة الثانية لتجاور المنتخب البرتغالي الجار المشاكس.
وهنا أطلقت القاعة تنهيدات دالة على قوة الإصطدام، وتبسم هيرفي رونار، ولا أخاله وقتها كان يتمنى أن يتواجد في مجموعة وصفها البعض بمجموعة الموت وهي لم تكمل الضلعين المتبقيين.
وعند الشروع في إخراج كرات المنتخبات المصنفة في القبعة الثالثة، زادت الإثارة وتكوم القلق فوق الصدور، وعندما ذهب المنتخب الإيراني لمجموعة لاروخا والسيليساو البرتغالي، إلتقطت الكاميرا المدرب البرتغالي لمنتخب إيران كارلوس كيروش وهو يطلق ابتسامة، كانت تخفي العديد من الحسرة، لأن من يقع في مجموعة واحدة مع إسبانيا والبرتغال، فكأنما يدعى لرحلة مجنونة إلى كوكب آخر.
كان المشهد المثير قد اكتمل، وقد جاء الدور علينا لنحبس الأنفاس، مع البدء في توزيع منتخبات القبعة الرابعة والأخيرة والتي تواجد بها المنتخب المغربي.
كان منتخب السعودية هو أول منتخب يسحب من القبعة الرابعة، ليذهب رأسا إلى المجموعة الأولى، وليلتقي بمنتخب مصر وبروسيا المستضيف وبالمرعب السيليستي الأوروغوياني.
ومباشرة بعد السعودية، ستخرج كرة المغرب ملتهبة وساخنة لتكمل ما كان ينقص المجموعة الثانية، أن تصبح مجموعة كاملة الدسم والأوصاف، وأن يتبارى المدربون والمحللون في وصفها بكثير مما ألفناه من الأوصاف الدالة على السخونة.
إنها مجموعة المتعة
بعد أن زالت عنا الدهشة، وتعمقنا في قراءة هذا التشكيل الجميل الذي أرادته القرعة الموجهة للمجموعة الثانية، أدركنا كم هي ساحرة ومغرية هذه المجموعة، كم هي مفتوحة وكم هي واعدة بالمتعة وبكل ما يحقق المتعة للعين، أولا لأن المنتخبات الأربعة تجتمع على خاصية اللعب الجميل، مع ما يوجد فعلا بينها من فوارق على مستوى الفرديات، وثانيا لأن لا أحد منها سيذهب للمونديال ليبيع جلده بأبخس الأثمان، وثالثا لأن هناك ريحا أسطورية تهب من الآن على هذه المجموعة، لتقول أننا سنكون أمام مشاهد مفاجئة ولربما خارجة عن المتوقع.
قال الأسطورة الإنجليزي غاري لينكر الذي تولى إدارة القرعة، في انطباع أولي أن المجموعة الثانية تستحق أن يطلق عليها مجموعة الموت، وقال الناخب الإسباني لوبيتيغي عنها، أنها مجموعة صعبة ومعقدة وهو في ذلك، يحيل على أضلاعها الشائكة، وقال سانطوس مدرب المنتخب البرتغالي أنها مجموعة تستفز كل الملكات لأن العبور بوجود كل تلك التماسيح سيكون صعبا ومضنيا، وقال كيروش مدرب المنتخب الإيراني، أنها مجموعة تطير النوم من الجفون، وتبسم هيرفي رونار مدرب أسود الأطلس من الذي استمع له، وقال أن القرعة خصصت للفريق الوطني احتفالا من طراز خاص عندما فرضت عليه مواجهة إسبانيا بطل العالم سنة 2010 والبرتغال بطل أوروبا سنة 2016، وإيران أكبر سادة الكرة الأسيوية.
أيا كان الأمر فالمجموعة كما قال المحايدون، هي بجاذبية رهيبة وبكاريزما خاصة، قد يهابها الكل ولكن لا أحد يكره أن ينعم بحريرها.
المتادور في أي فلك يدور؟
لم تكن للفريق الوطني في سالف العصر والزمان لقاءات كثيرة بالجار الإيبيري، لا وديا ولا رسميا، بل إن الذكرى الوحيدة لاصطدام الأسود بلاروخا تعود لسنة 1961 في مواجهة سد بين القارتين الأوروبية والإفريقية، وهي المواجهة التي ظفر بها منتخب إسبانيا بالفوز ذهابا بالدار البيضاء وإيابا بمدريد ليتأهل لنهائيات كأس العالم بالشيلي سنة 1962، ودونها فالفريق الوطني كان في حالة خصام مع الجار الإسباني ولم تتهيأ أي فرصة لمواجهة ودية.
ومع ذلك فقد كان كثير منا يتمنى أن لا يقع الأسود مع لاروخا لصعوبة ترويضه، وأيضا لحالة السعار والهيجان التي تطبع أداءه.
وبقراءة سريعة لراهن المنتخب الإسباني الذي ضمن تواجده في مونديال روسيا بالسيطرة الكاملة على مجموعة تواجد فيها مع المنتخب الإيطالي، فإننا سنقف على حقيقة أن لاروخا تفتح صفحة جديدة مع المدرب الجديد لوبتيغي الذي حل مكان ديل بوسكي، بعد أن تسيدت كرة القدم العالمية والأوروبية بالفوز لأول في تاريخها بكأس العالم سنة 2010 بجنوب إفريقيا وبالتتويج للمرة الثالثة في تاريخها بلقب بطولة أوروبا للأمم سنة 2012، بفضل جيل تشكل عموده الفقري من صناع تيكي تاكا برشلونة.
وشكل خروج إسبانيا من الدور الأول لكأس العالم 2014 بالبرازيل وقد دخلها مدافعا عن اللقب، إيذانا بنهاية عهد وبداية آخر، إذ جرى توظيف جيل جديد مؤطر من المخضرمين راموس وبيكي، ويقف على رأسه كل من موراطا نجم تشيلسي وإيسكو نجم ريال مدريد.
هو إذا متادور بفلسفة جديدة وبترسانة بشرية مستحدثة، ذاك الذي يدخل التحدي المونديالي وهو بين نارين، إما أن يؤكد جدارته وقدرته على إبقاء إسبانيا في فلك الكبار، وإما أن يضيف إخفاقا جديدا لتتوارى شمس لاروخا.
البرتغال بروح الأسطورة رونالدو
لن يجادل أحد في كون المنتخب البرتغالي الذي تصدر المشهد الكروي الأوروبي، وهو يتوج السنة الماضية للمرة الأولى في تاريخه بلقب بطولة أوروبا للأمم، هو حالة فريدة في تاريخ الكرة البرتغالية، فهو فريق يستمد أسطوريته من نجمه كريستيانو رونالدو الملهم والمعلم والمنقذ، وأيضا من روحه المعنوية التي تستطيع أن تقاوم كل الظروف المحبطة.
وإن وجد الكثيرون أن في المنتخب البرتغالي خلطة من السحر والأسطورية، فإنهم يعترفون بمحدودية أدائه الجماعي، لكون الجيل الحالي وإن تفوق على ما عداه من أجيال بالوصول للقب الأوروبي ليس به عدا رونالدو،
عناصر ذات جاذبية في الأداء.
وتتوقف حظوظ البرتغال على الحالة الذهنية والبدنية التي سيكون عليها نجمه رونالدو الصيف القادم، وقد بدأ يقدم علامات دالة على تراجع مؤداه مع ناديه ريال مدريد.
ومع اختلاف في الأزمنة وأيضا في الأجيال، فإن المنتخب البرتغالي عندما سيلاقي المنتخب المغربي يوم 20 يونيو 2018 في الجولة الثانية في الدور الأول، سيستخضر لا محالة روح البطولية والتحدي الذي قادته للفوز باللقب الأوروبي، ولكنه إزاء ذلك سيتذكر ما روته للاعبيه الحاليين قصص التاريخ القريب، عن ملحمة أسود الأطلس بالمكسيك سنة 1986 عندما هزموا منتخب البرتغال رابع أفضل منتخب أوروبي وقتذاك بثلاثة أهداف لهدف.
إيران.. من قال أنها الحلقة الأضعف؟
لا يجدر بأحد ان يبقي على المنتخب الإيراني في الصفوف الخلفية، منزوعا من كل الحظوظ في كسر العادة التي دأب عليها في مشاركاته الأربع السابقة في النهائيات، وهي مغادرته للمونديال من الباب الصغير مقصيا من الدور الأول.
منتخب إيران الذي استحق تأهله لكأس العالم بصدارة فاقت التصورات، يأتي لمونديال روسيا وهو يحمل آمالا كبيرة لمطاردة حلم الصعود لأول مرة للدور ثمن النهائي، وهو يعتمد في ذلك على خبرة مدربه البرتغالي كيروش الذي أعطي الوقت الكامل ليهيئ هذا الفريق على نار هادئة.
يستطيع الجيل الجديد الذي يتأسس عليه ممثل كرة القدم الأسيوية أن يكتب التاريخ، حتى لو تعلق الأمر بمجموعة نارية، يقول الكثيرون أنه سيكتوي لا محالة بلهيبها، ولربما يكون هو الكاوي وليس المكتوي..
الأسود عرفوا أين هم؟
يعرف الفريق الوطني اليوم أنه يدعى لمونديال خاص، خصوصيته تكمن في أن الأسود كسروا الغياب الطويل الذي امتد لعشرين سنة كاملة، وتكمن أيضا في هذا الفيض من الأحاسيس الذي تفرزه مجموعته وقد تواجدت فيها منتخبات قوية.
طبعا سيكون من الرائع أن يقرن الفريق الوطني دخوله للمونديال بفوز على المنتخب الإيراني، لأن ذلك سيكسبه ثقة لا حدود لها وسيعطيه زخما معنويا ليركب العربة الثانية في قطار التحدي عندما يحين موعد المباراة الثانية أمام زملاء كريستيانو رونالدو، أبطال القارة العجوز.
هي سبعة أشهر متبقية على انطلاق رحلة الحلم المونديالي الجديد في ألفيته الثالثة، والمساحة الزمنية تكفي لأن يوجه الأسود البوصلة شرقا وشمالا، لعلهم يقرؤون جيدا العادات والتقاليد وأسرار المنظومات الكروية للخصوم الثلاثة.
برنامج المجموعة الثانية
الجمعة 15 يونيو 2018
المغرب ـ إيران
البرتغال ـ إسبانيا
الأربعاء 20 يونيو 2018
البرتغال ـ المغرب
إسبانيا ـ إيران
الإثنين 25 يونيو 2018
إسبانيا ـ المغرب
البرتغال ـ إيران