خرج المنتخب التونسي لكرة القدم بيد فارغة واخرى لا شيء فيها من نهائيات كاس امم إفريقيا في نسختها الحادية والثلاثين التي تحتضنها الغابون الى غاية 5 فبراير القادم بعد انسحاب مبكر في الدور ربع النهائي مصحوب بمردود متواضع للغاية بسبب القراءة الخاطئة لمجريات المباراة وخصائص المنافس وضعف الجاهزية البدنية.
وبدت تقديرات المدرب هنري كاسبرجاك التكتيكية مجانبة للصواب من خلال تغيير جذري وهيكلي على مستوى الخط الخلفي في ظرف زمني وجيز لا يتلاءم مع طبيعة المباراة الهامة ضد منافس اقر جميع الملاحظين والمتابعين للنهائيات على صلابته وقوته الهجومية اذ ان الاستغناء على الظهير الايسر علي معلول والرمي بايمن عبد النور مكانه كان قرارا خاطئا باعتبار ان مدافع فالنسيا غير متعود على هذه الخطة وهو الذي كان مردوده خلال مباريات الدور الاول غير مقنع في مركزه الاصلي في محور الدفاع.
ولم تقف تداعيات التغيير الهيكلي على مستوى الدفاع التونسي عندهذا الحد بل ان اقحام عبد النور في الجهة اليسرى حرم المنتخب التونسي من قوة هجومية ضاربة التي كانت تتمثل في المساندة المستمرة التي يوفرها علي معلول للخط الامامي بفضل توغلاته المستمرة. كما لم يوفر هذا التوجه الصلابة الدفاعية المنشودة على الرواق الايسر الذي مثل نقطة ضعف المنتخب طوال المباراة وهو ما جعل مدرب بوركينا فاسو باولو دوارتي يتفطن للامر من خلال اعطاء تعليماته بالتركيز على تلك الجهة عبر اللاعب برتران تراوي والخطير نكولوما اللذين تناوبا على عبد النور من اجل اختراق الدفاع التونسي.
ولم يعترف الفني البولوني الفرنسي باثار ذلك التغيير الاستراتيجي في الدفاع مبرزا ان "التغييير املتهالاخطاء المرتكبة في مستوى الرواق الايسر خلال مباريات الدور الاول وهو ما جعلنا نقدم على ذلك القرار"اي ان كاسبرجاك حمل علي معلول مسؤولية الاهداف التي قبلها المنتخب التونسي في الدور الاول دون سواه من عناصر الخط الخلفي رغم ان المسؤولية كانت جماعية بل ان اداء عبد النور كان الاسواء بين جميعهم بشهادة المتابعين وهذا ما طرح استفهامات حول وجود حصانة لبعض عناصر المنتخب دون سواهم وان هناك لاعبين لا يعترفون ببنك الاحتياطيين.
لقد كانحريا بكاسبرجاك اذا ما اراد منح الخط الخلفي اكثر توازنا العودة الى الخطة التي اعتمدها المنتخب التونسي في مختلف المباريات الفارطة ونعني الدفع بلاعب ثالث في المحور مع الابقاء على النقاز ومعلول في الرواقين الايمن والايسر.
ولئن رفضت اغلب العناصر الوطنية التي ادلت بتصريحات عقب الهزيمة امام بوركينا فاسو الخوض في التغييرات التكتيكية فان متوسط الميدان الفرجاني ساسي اقر بعيون دامعة بان "هذه التغييرات اثرت سلبا على اداء المنتخب".
وتزامنت القراءة الخاطئة للاطار التقني للمنتخب التونسي بغياب تام للقوة الهجومية المعتادة
لزملاء ايمن المثلوثي بعدما بدت البناءات الهجومية متقطعة وغابت الحيوية المعهودة للخزري والسليتي والمساكني وحتى الكرات التي وصلت لقلب الهجوم طه ياسين الخنيسي بدت قليلة وغير ذات خطورة على مرمى الحارس البوركيني هيرفي كوفي.
وبدا جليا ان المنتخب التونسي قد افتقد الكثير من الجاهزية البدنية التي اثرت على المردود الجماعي لاسيما خلال الشوطالثاني الذي شهد تراجعا غريبا من قبل رفاق محمد امين بن عمر اذ تقهقر لاعبو المنتخب الى مناطقهم واكتفوا بدور المتفرج امام الهجمات البوركينية وهذا استفهام اخر يفرض نفسه حول كيفية الاستعداد لهذا الموعد القاري ولماذا ينتاب الارهاق والتعب العناصر الوطنية بالطريقة التي رايناها بعد 3 مباريات فقط رغم ان المسابقة لاتزال في أمتارها الأولى وهذا ما سمح للمنافس فرض سيطرة كلية على مجريات اللعب وهز الشباك التونسية في مناسبتين.
ونجح باولو دوارتي عكس كاسبرجاك في التعامل مع المباراة والمنافس بل تلقى بكل سرور الهدايا التي قدمها له البولوني الفرنسي بالاستغناء عن خدمات علي معلول مشيرا الى ان "التغيير الذي اقدم عليه كاسبرجاك في الدفاع يؤكد خوفه من الهجوم البوركيني كما كنا على وعي تام بضرورة جر اللقاء الى الشوط الثاني والاحتفاظ باوراقنا الرابحة الى النهاية اذ بادرت باقحام اريستيد بانسي بعد حالة الارهاق التي انتابت اللاعبين التونسيين وقد جاءت وقائع المباراة لتثبت صحة دراستنا للمنافس".
واكد منتخب بوركينا فاسو ببلوغه الدور نصف النهائي المنحى التصاعدي الذي ما فتئ يحققه منذ سنوات عديدة بفضل الاستمرارية والتجانس التقني بين اللاعبين والاعتماد على عناصر تنشط في عدد من البطولات الاوروبية واخرى محلية تتميز جميعها بغزارة الاداء وارادة تحقيق انجاز ما لفائدة جماهيرها.
ويظل السؤال الذي يرافق المنتخب التونسي مع كل مشاركة قارية هو حقيقة التقييم الموضوعي والحازم لاداء المنتخب بما ان الوضعية الحالية لا تبشر بخير وحتى تصفيات كاس العالم 2018 ستضعنا امام منتخب الكونغو الديمقراطية الذي اظهر خلال نهائيات الغابون الحالية امكانيات عريضة وتلوح مهمة المنتخب التونسي عسيرة جدا للاطاحة به ذهابا وايابا اذا تواصل هذا الاداء المهزوز وهو ما يملي اعادة نظر جدية في وضعية المنتخب التونسي وكيفية عمله بعد ان اضحت مشاركاته القارية لا تتعدى حاجز الدور ربع النهائي في احسن الاحوال.