لمدة خمسين دقيقة كاملة من عمر مباراة الفريق الوطني أمام فهود الكونغو الديموقراطية، صدقت حدسي الذي أنبأني، ولربما أنبأ بعضكم أيضا، من أن هذا الفريق الوطني الذي أتخمناه نقدا وحجبنا عنه تفاؤلنا وظننا أنه غير جدير بحمل الآمال الثقيلة على أكتافه، سيوقع على مونديال إفريقي جميل ورومانسي، ما كان يأتي متداعيا في مشهد المباراة من صور الإستحواذ على الكرة والتحكم الجيد في المساحات الإستراتيجية والأفضلية على مستوى صناعة الفرص، إلى الدرجة التي بتت الرعب في نفوس الكونغوليين، كل ذلك كان يقول فعلا بأن الفريق الوطني يناقش بداياته في المونديال الإفريقي بكثير من الثبات والثقة في النفس، وأن التنويع في بناء الجمل الهجومية سينتهي به إلى التسجيل، بخاصة لما يحتكم هيرفي رونار إلى بنك البدلاء فيأتي بمن لهم القدرة على وضع الخواتيم الجميلة.
50 دقيقة بالكامل، كان ما شاهدناه فيها يشعرنا بنوع من السعادة وأنهار الشك يجري تجفيفها بشكل تدريجي، وكان يشعرنا أيضا بنوع من التوجس، فما أكثر ما تكررت علينا هذه المشاهد، أن تنقلب الأمور رأسا على عقب لعدم تمكننا من حسم الجزئيات الصغيرة.
كان المنطقي جدا أن يكون الفريق الوطني متقدما مع نهاية الشوط الأول بهدف على الأقل، وأظن أن ذلك الهدف تمنع بعد أن صدت العارضة كرة بوصوفة وبعد أن فرطنا في كرات كانت تشتعل داخل منطقة جزاء الكونغوليين، إلا أن هذا المنطق أدار لنا الظهر كما أدارت المباراة لنا الظهر في الدقيقة 55، عندما تمكن الكونغوليون من الوصول إلى مرمى منير المحمدي من أول جملة هجومية صاغوها وأنهوها بهدف ساهم فيه ضعف التغطية على مستوى المراقبة الدفاعية.
والحقيقة أن هذا الهدف إن كان قد إغتال أفضلية مغربية إلا أنه لم يغتل زمن المباراة ولا الحظوظ أيضا، فقد كان توقيته مناسبا، لكونه ترك للأسود نحو 40 دقيقة لينقلوا الأداء إلى مستويات أكثر ضراوة وشراسة، وقد كان متوقعا أن يقيم الكونغوليون حول مرماهم سياجات وجدارات إسمنتية، وكيف لا يفعلون ذلك وقد أيقنوا أنهم كانوا محظوظين عندما لم ينهوا الشوط الأول متأخرين.
للأسف لم يكن الفريق الوطني في مستوى الحدث، وأبدا لم يتمكن من تقديم ردة الفعل اللازمة ليستحق على الأقل نقطة التعادل، فما كان على طول وعرض الدقائق الأربعين التي أعقبت هدف الكونغو الديموقراطية، صور من السماجة والهشاشة الهجومية وضعف الفعالية والتخيل، كان هناك غياب شبه مطلق لرأس الحربة الذي ينهي بطريقة جيدة كل تلك الهجمات التي سمح بها التراجع الكبير للكونغوليين للذود عن منطقتهم ولحماية المكتسب الكبير.
لم تترك هذه الهزيمة على مرارتها مجالا لنتذكر ما كان فيها من شجاعة لاعبينا للتغطية على الإصابات، وما كان فيها من تماسك عاطفي لمقاومة تيار الشك الجارف، ولا أظنها تركت للفريق الوطني هامشا للمبادرة أو حتى الخطأ، فما يضمن للفريق الوطني التأهل لربع النهاية من دون وجع المعادلات، هو الفوز على الطوغو وبعده على كوت ديفوار، ولعمري هي مهمة صعبة ومعقدة وقد تكون مستحيلة، خاصة إذا ما وقفنا على حقيقة صادمة هي أن هذا الفريق الوطني قد يلعب جيدا وقد يتفوق تكتيكيا وبدنيا على منافسيه، إلا أنه يستشعر صعوبة كبيرة في الفوز عليهم، ببساطة شديدة لأنه لا يملك هدافا.
يجب أن يقوم الفريق الوطني سريعا من عثرته ويتوجه بكامل تركيزه لمباراة الطوغو التي لن تكون أقل شأنا ولا ضراوة من مباراة الكونغو الديموقراطية، على أمل أن لا يتكرر خلالها ما كان من عقم هجومي يحجب مولد الإنتصارات.