بصرف النظر عن أن الخسارة في محك ودي وتجريبي تكون لها في الغالب تداعيات سلبية على الوعاء الذهني للاعبين، ومن دون الأخذ بعين الإعتبار أن هذه هي الهزيمة الأولى التي يمنى بها الفريق الوطني منذ أن بدأ هيرفي رونار في الإشراف على عارضته التقنية، فإن مباراة الأسود الودية أمام منتخب فنلندا بملعب طحنون بن محمد بمدينة العين الأماراتية، أفضت لغاية الأسف إلى خلاصات قاتمة تدعو إلى اليأس ولربما تجعلنا مقتنعين من الآن بأن فريقنا الوطني لن يكون منافسا قويا على إحدى بطاقتي ربع النهاية لمجموعته الثالثة التي تضم إلى جانبه منتخبات الكونغو الديمقراطية، كوت ديفوار والطوغو.
صحيح أن الزاوية التي سينظر منها هيرفي رونار لهذا المحك الودي ستختلف كثيرا عن تلك التي ننظر منها نحن لواقع حال الفريق الوطني، فانتظارات الناخب الوطني من أي محك ودي ترتكز بالأساس على وضع اللاعبين في سياق المنظومة التكتيكية التي يراد تطبيقها في المباريات الرسمية، يضاف إلى ذلك كله أن هيرفي رونار إسوة بكل الناخبين الوطنيين قد يكون تعمد التوهيم والتعويم بهدف إبعاد المنافسين عن شكل وهيئة النهج التكتيكي الذي سيعتمد عليه، إلا أن تحليلنا لودية فنلندا لا يمكن قطعا أن يكون بمعزل عن التدرج الذي كان من المفروض أن يتبعه الفريق الوطني في بناء أسلوب اللعب بصياغة هيرفي رونار، ولا يمكن أيضا أن يكون بمنأى عن الإستحقاق الكبير الذي ينتظر الفريق الوطني بالغابون.
لذلك إن نحن قبلنا بالهزيمة أمام فنلندا التي لا يمكن أن تغير من واقع الحال شيئا، فإننا بكل تأكيد لا نقبل بالرعونة الكبيرة التي طبعت الأداء الجماعي وبالتطبيق السلبي لأسلوب اللعب وبالتدبير السمج للمباراة في عمومياتها، فبفرض أن الخصم الفنلندي لم يكن بأي حال من الأحوال بنفس مقاس منتخبات واجهناها وتفوقنا عليها، فإن المحصلة الفنية ترسم العديد من دوائر القلق والشك، وتجعلنا نتخوف من المصير الذي ينتظر هذا الفريق الوطني في نهائيات كأس إفريقيا بالغابون، ويمكن أن نختزل عيوب الفريق الوطني التي برزت في ودية فنلندا في:
ــ عدم القدرة على ضبط الإيقاع بالشكل الذي يجهز على التنظيم الدفاعي البدائي لمنتخب فنلندا.
ــ التحوير الكبير في منظومة اللعب بالإنتقال إلى شاكلة 3 ـ 5 ـ 2 باعتماد أظهرة دفاعية هجومية تتباين في مستوياتها الدفاعيه والهجومية، والقبول بوضع فؤاد شفيق وهو أصلا ظهير أيمن في الرواق الأيسر.
ـ العجز الكامل عن تبني مقاربات هجومية واضحة ودقيقة ومدروسة، بدليل أن الإستحواذ على الكرة كان سلبيا، وأن تواجد الفريق الوطني في منطقة المنتخب الفنلندي لم يكن إيجابيا بالشكل الذي يتيح ترجمة التفوق الكبير على المستوى البدني.
ــ الضعف الذي ما زال الفريق الوطني يشكو منه على مستوى إتمام العمليات، والأمر هنا لا يتعلق فقط بعدم نجاعة رؤوس الحربة (العرابي، الناصري، بوحدوز، بوطيب والعليوي)، ولكن أيضا بغياب التنويع والسلاسة في بناء الهجمات، بدليل أنه برغم السيطرة الميدانية للفريق الوطني وتواجده المكثف في منطقة المنتخب الفنلندي، إلا أنه أنتج جملة هجومية واحدة بشكل جيد هي تلك التي بنيت بتمريرات قصيرة بين درار، العرابي والناصري ومن خلالها أضاع الناصري فرصة أكيدة للتسجيل.
ــ الضبابية التي سيطرت على أداء وسط الميدان الإرتدادي والهجومي على حد سواء، ما جعل الفريق الوطني يجد صعوبة كبيرة في تنشيط الجانب الهجومي عند بناء اللعب، بخلاف نجاحه النسبي في تنشيط الجانب الدفاعي.
عموما هذه ملاحظات شكلية نسوقها بعد مشاهدة عينية لمباراة تشكل مقياسا للحكم على الأداء الجماعي للفريق الوطني، بالنظر إلى أن فترة التحضير لكأس إفريقيا للأمم فاقت كثيرا كل فترات التحضير التي سبقتها على عهد الزاكي ومن بعده هيرفي رونار.
مقلق هذا الذي شاهدناه، بل وباعث على التشاؤم والقلق، إلا أن كرة القدم علمتنا أن لا نثق في كثير من المظاهر الخادعة التي تصدرها المباريات الودية والتي قد يكون الفوز فيها وهما يصدر للجماهير وقد تكون الهزيمة فيها أيضا غطاءا تتخفى وراءه كثير من الأشياء الجميلة، وهذا ما نتمنى أن يكون قد حصل في محكنا الودي أمام منتخب فنلندا المتواضع.