كل ما نلمسه من تحركات مصرح بها أو متكتم عليها على أكثر من صعيد، وكل ما يمكن أن نستشفه من الدعوات المقدمة لقيادات رياضية بارزة عالميا وقاريا، لا يمكن إلا أن يؤكد فرضية أن المغرب عاقد العزم على الترشح مجددا لتنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم، وأن تفعيل هذه الإرادة المشروعة مقترن فقط بفتح الجمعية الدولية لكرة القدم (فيفا) لباب الترشيحات المتعلقة بتنظيم كأس العالم 2026.
وما حلول إينفانتينو رئيس الفيفا بالمغرب مدعوا لمشاهدة مباراة أسود الأطلس أمام المنتخب الإيفواري وعودته المرتقبة إلى المغرب مطلع السنة القادمة في زيارة عمل، وما تواجد السيد عيسى حياتو رئيس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم بالرباط لعقد سلسلة لقاءات مع المسؤولين المغاربة، وما الزيارة المرتقبة للبحريني الشيخ سلمان بن إبراهيم رئيس الإتحاد الأسيوي لكرة القدم إلى المغرب، إلا دليل على فعل إستباقي يروم جلب التأييد المسبق لمبادرة تقديم الترشيح الفعلي لاستضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم، لعل الخامسة تكون ثابتة، بعد أن فشلت أربع محاولات سابقة في ربح المغرب للرهان المونديالي.
وإن دخل المغرب مجددا دائرة التنافس على تنظيم كأس العالم لسنة 2026 إلى جانب قوى عظمى، فإنه سيكون هذه المرة معززا بالكثير من المؤشرات الإقتصادية والرياضية وحتى السياسية القوية والدالة على أحقيته وأهليته بتنظيم الحدث الرياضي الكوني، فإلى جانب الشبكة المتنامية من الملاعب الكبرى من الجيل الجديد والتي نالت علامات الجودة العالمية، هناك بالطبع شبكة حديثة من وسائل الربط بكافة أنظمته، وهناك الإستقرار الأمني والسياسي وهناك على الخصوص ثقة العالم المتزايدة بقدرة المغرب على تأمين نجاح منقطع النظير لكل الأحدات التي ينبري لتنظيمها ولعل آخرها نجاحه المطلق في تنظيم «كوب 22» بمراكش، هذا إلى جانب الصورة الرائعة التي يسوقها المغرب عن نفسه للعالم وبالخصوص لقارته الإفريقية كبلد يصدر نموذجا راقيا للتنمية بكافة أجناسها وأبعادها.

ما بين المغرب وكأس العالم قصة عشق
نمت قبل ثلاثين سنة بالتمام والكمال بين المغرب وكأس العالم قصة عشق، تأكد بمرور الوقت أنها حكاية حب من طرف واحد، فبقدر ما جاهد المغرب من أجل تحقيق ما أصطلح عليه أول الأمر «حلم قارة ومشروع أمة»، بقدر ما سعت أطراف افتضحت وساختها وعدم نظافتها إلى أن يبتعد كأس العالم عن المغرب.
كانت بداية الحلم سنة 1986 عندما تقدم المغرب بترشيحه لتنظيم كأس العالم لسنة 1994، كان المغرب مزهوا يومذاك بتحقيق أسوده لإنجاز تاريخي، فقد تمكن أسود الأطلس من الوصول لأول مرة في تاريخ المشاركات الإفريقية في المونديال للدور الثاني، متصدرين لمجموعة الموت بعد أن روضوا منتخبات أوروبية عتيدة وذات باع طويل، عندما وجه الملك الراحل الحسن الثاني وزيره للشباب والرياضة المرحوم عبد اللطيف السملالي لتقديم ترشيح المغرب لتنظيم كأس العالم كأول بلد إفريقي يجرؤ على وقف احتكار القارتين الأوروبية والأمريكية لتنظيم الحدث الأكثر كونية.
وبرغم أن المغرب أخفق وقتذاك في تحقيق حلم القارة السمراء باستضافة كأس العالم، عندما نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في نيل ثقة المجلس التنفيذي للفيفا سنة 1994، إلا أنه سيواصل مطاردة الحلم المونديالي مرة ومرتين وثلاثا، أبدا لم ييأس وأبدا لم يتراجع عن اقتناعه الكامل بأنه أهل لأن يكون ذات يوم عاصمة لكرة القدم العالمية.

رائحة المؤامرة تفوح من الجنوب
ولئن كان ملف المغرب قد إعترته الكثير من النواقص في المرات الثلاث الأولى إن على مستوى البنى التحتية الرياضية والتواصلية وإن على مستوى معركة الكواليس برغم ما كان يتمتع به من مساندة من الأصدقاء التقليديين، فإن الترشيح الرابع الذي سيشهد تحولا تاريخيا بتبني الفيفا لنظام المداورة بين القارات، وإقرار إفريقيا قارة منظمة لكأس العالم، سيقرب المغرب من حلمه المونديالي، كما لم يكن الشأن في المرات الثلاث السابقة، يقربه من دون أن يضمن له التحقق على أرض الواقع.
دخل المغرب السباق نحو تنظيم كأس العالم لعام 2010 وقد قررت الفيفا أن تكون إفريقيا مسرحا، منافسا من جنوب إفريقيا التي كانت على بعد خطوة صغيرة من تنظيم نسخة 2006 بعد منافسة ضارية مع ألمانيا، وبرغم أن المغرب قدم لأول مرة ملفا قويا يستجيب لكل المعايير الدولية المنصوص عليها في دفاتر التحملات، وبرغم التأييد الكبير الذي جلبه هذا الملف باعتماد مقاربة جديدة في تدبير حرب الكواليس، إلا أن المفاجأة الصادمة كانت هي فوز جنوب إفريقيا بشرف تنظيم كأس العالم، بفارق أربعة أصوات عن المغرب.
كان أصل الصدمة أن العديد من الضالعين بأسرار الفيفا أكدوا وجود مؤامرة مفضوحة إستهدفت المغرب، بسبب ما قيل أنه إرضاء لضمير عالمي تعذب كثيرا بعد الفضيحة التي أحاطت بملابسات إسناد تنظيم كأس العالم لسنة 2006 لألمانيا، خيوط المؤامرة التي انكشفت بالكامل بعد سلسلة الفضائح التي ضربت مؤسسة الفيفا وأطاحت بالداهية جوزيف بلاتر.

ADVERTISEMENTS

المتغير الكبير.. القرار بيد الجمعية العمومية
على أنقاض ما تداعى من تهم مباشرة وغير مباشرة استهدفت بالأساس أعضاء المكتب التنفيذي للفيفا، بعد إسناد تنظيم كأسي العالم دفعة واحدة لروسيا سنة 2018 وفطر سنة 2022، فإن الفيفا ستقرر إلحاق تغيير جوهري على صناعة القرار، إذ ستصبح الجمعية العمومية ممثلة بكل أغضائها هي المتحكم الأول في مصير كأس العالم، إذ سيجري التصويت من طرف هؤلاء الأعضاء على البلد المنظم لكأس العالم إعتبارا من سنة 2026 بعد أن كان الأعضاء 24 للمجلس التنفيذي للفيفا هم من يتولون هذه المهمة الجسيمة بناء على تقارير تقنية توضع بين أيديهم بعد سلسلة من الإفتحاصات.
وبالقطع فإذا كانت هذه المقاربة الجديدة تحقق نسبة عالية من الديموقراطية والشفافية، فإنها في مقابل ذلك تزيد من تعقيد المهمة على كل من يتنافس على تنطيم المونديال.
على ضوء هذه المتغيرات الكبيرة التي ستنضاف إليها من دون شك تدابير إحترازية أخرى للزيادة في جرعة النزاهة، يعود المغرب مجددا لملاحقة حلم تنظيم كأس العالم لسنة 2026، وهو مسلح بالإرادة القوية وبصلابة الملف وبالسمعة الكبيرة التي بات يحظى بها في المنتظم الدولي من أجل أن يكسب الرهان المونديالي في خامس محاولة. 

الحشد المسبق للتأييد
ومن دون حاجة لانتظار الإفصاح الرسمي والعلني عن ترشيح المغرب لتنظيم كأس العالم لسنة 2016، والمقترن أساسا بفتح الفيفا بشكل رسمي لباب الترشيحات، فإن الفعل الإستباقي الذي وقع عليه السيد فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، عندما وضع إستراتيجية جريئة للإنفتاح على المؤسسات الكروية الكبرى، يؤكد على أن المغرب متمتعا بالتطور الكبير الذي طرأ على مستوى شبكة البنى التحتية الرياضية على وجه الخصوص بوجود عدد كبير من الملاعب التي يصطلح عليها بمركبات الجيل الجديد ومستندا على منجزاته الرائعة على أكثر من صعيد ومعتمدا على ثقة العالم بقدراته على تنظيم الأحداث الكبرى، لن يفوت فرصة العودة مجددا لمطاردة حلم المونديال حلم ولد قبل ثلاثين سنة، وآن الأوان ليصبح حقيقة.
وجرى تركيز السيد لقجع في مستوى أول للتحسيس، على رئيس الإتحاد الدولي لكرة القدم السيد جياني إينفانتينو الذي يحمل لولايته الأولى على رأس مؤسسة الفيفا العديد من الأفكار الثورية، وعلى رئيس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم السيد عيسى حياتو وأيضا على الشيخ سلمان بن إبراهيم رئيس الإتحاد الأسيوي لكرة القدم.
ومن شأن التصديق على أهلية المغرب لاستضافة الأحداث الكروية الكبرى وفي مقدمتها كأس العالم، الذي وقع عليه جياني إينفانتينو رئيس الفيفا بالإضافة إلى المساندة المطلقة للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم وللإتحاد الأسيوي لكرة القدم أن يقدم للمغرب الكثير من ضمانات النجاح المسبق، برغم أننا لن نتبين حقيقة ولا شكل المعركة الرياضية والديبلوماسية التي سيخوضها المغرب من أجل أن تكون الخامسة ثابتة إلا مع فتح باب الترشيحات ومعرفة الدول التي ستتقدم بطلب الإستضافة، ولو أن المؤشرات كلها تقول أن المنافسة ستقتصر على قارتي إفريقيا وأمريكا الشمالية.

مونديال بأي شكل وفي أي قارة؟
وإذا كان المغرب معنيا بدرجة أولى بتنظيم كأس العالم لسنة 2026، وهو موقن أنه مالك لكل أسباب النجاح والتوفيق لإخراج الحدث الرياضي الكوني في أرقى وأجمل الحلل، فإن طبيعة التحدي والرهان ستتوضح مع الكشف عن الهيئة الجديدة التي يراهن عليها إينفانتينو الرئيس الجديد للفيفا، لكي يكون كأس العالم حدثا متقاسما بين شعوب العالم، عملته الأولى أن يكون شفافا ونزيها وديموقراطيا، والإحالة هنا واضحة على ما علق بالمونديالات الأخيرة من فضائح ومن شبهات.
وإذا كان إيفانتينو يتمنى أن يلعب مونديال 2026 بـ 40 أو 48 منتخبا باعتماد نمط معين في التباري، فإن ذلك يمكن أن يترتب عنه تغيير جوهري على مستوى التباري، كأن يجرى كأس العالم على مرحلتين، الأولى تمهيدية والثانية نهائية، وكأن تذهب الفيفا لو وافقت الجمعية العمومية على الزيادة في عدد المنتخبات المتأهلة للأدوار النهائية، إلى إجراء نسخة 2026 لكأس العالم في أكثر من بلد وفي أكثر من قارة.
كل شيء متوقف على تفعيل المنظور الجديد لرئيس الفيفا، الذي تسهر عليه لجنة فنية رفيعة المستوى، ومتوقف أيضا على التصديق من قبل الجمعية العمومية على هذا المنظور، ولو أن من يتحمسون للزيادة في عدد المنتخبات بهدف إشاعة روح وثقافة كرة القدم لتكون مشتركا عالميا، أكبر بكثير ممن يعارضون هذه الزيادة بمبرر لا يروق للبعض من أن كأس العالم سيصبح فولكلوريا.
أيا كان الأمر، سواء بقي كأس العالم على هيئته الحالية بـ 32 منتخبا أو زيد في العدد ربعه أو حتى ثلثه (40 أو 48 منتخبا)، فإن المغرب عاقد العزم على أن يطارد حلم المونديال، فنحن شعب ما إستعصت عليه الأحلام يوما، وما يئس من الوصول إلى الهدف وما ضاق صدره بوجود نسمة الأمل.