لا وقت للتوصيف ولا وقت للبحث عن المرادف الدقيق لأولمبياد الرياضة المغربية المنتهي أمس الأحد بريو دي جانيرو البرازيلية، على وقع ميدالية يتيمة أهدانا إياها البطل العالمي محمد ربيعي وعلى وقع حزن عميق على أننا أصبحنا رقما ضعيفا في بورصة الألعاب الرياضية الأكثر كونية.
لا وقت لا للتباكي عند صخرة الحقيقة ولا وقت لتبادل التهم والبحث عن الجناة، وقد تبث بما لا يدع للشك مجالا، أن هناك جنحة مرتكبة هي ما تسبب في إصابة الرياضة المغربية بعطل كبير ومزمن، بل الوقت هو وقت الجلوس إلى طاولة التشريح والتحليل والتدقيق لمعرفة مسببات هذا الفشل وللوصول إلى ما إنتهى بالرياضة الوطنية إلى هذا الوضع، حيث بات الفارق كبيرا بيننا وبين المستويات العالية.
وإذا ما نحن قلنا بكارثية حصيلة الرياضة المغربية في الإمتحان الأولمبي، فلا بد أن نحصر ذلك في مقارنتنا السريعة ما بين روعة الحضور في كل الأولمبيادات ما بين دورة لوس أنجليس 1984 ودورة أثينا 2004 وبين الإنطفاء الكامل في الأولمبيادات الثلاثة الأخيرة، فليس هناك أي فعل كارثي في المحصلة الأولمبية إذا ما نحن أخذنا بالمؤشرات الفنية والرقمية التي عليها تتأسس الترشيحات، لقد كانت كل الآمال محصورة علميا في الملاكم محمد ربيعي بوصفه دخل أولمبياد ريو دي جانيرو بثوب المرشح للبوديوم وهو الحامل للقب العالمي، وبدرجة أقل في العداء عبد العاطي إيكدير صاحب برونزية 1500 متر في أولمبياد لندن سنة 2012 وبطولة العالم سنة 2015.
وأتحدى أن يكون هناك من قدم بالأرقام المستويات التي ستبلغها الرياضات المغربية الثلاثة عشر المشاركة في الألعاب الأولمبية، أو حتى شجعته المعطيات على وضع خريطة للآمال، أتحدى أن نكون قد فطنا إلى ما فطن إليه غيرنا قبل عقود، عندما أصبحت الألعاب الأولمبية تمثل لهم امتحانا للإسترايجيات والمقاربات والسياسات الرياضية، أتحدى أن نكون قد أجدنا بلغة العمل القاعدي والإحترافي لا بلغة المال التحضير للإمتحان الأولمبي، وإذا ما كان منطقيا الحديث عن رسوب في هذا الإمتحان إلى درجة تصيب بالمهانة، فإن ذلك لا بد وأن يرتبط بأسلوبنا في التعامل مع الدورات الأولمبية، وهو على كل حال أسلوب متجاوز وأخرق ولا مكان له في رياضة اليوم.
اليوم وبعد أن أسدل الستار على الألعاب الأولمبية بريو دي جانيرو، ستدخل الكثير من الدول التي تحترم قواعد العمل الإحترافي وتصون كبرياء جماهيرها، غرفا سرية للشروع في تحليل المعطيات والأرقام وما هو منجز أولمبيا، ليس القصد أن تستشرف أفق أولمبياد طوكيو الذي سيقام بعد أربع سنوات، لأن ذاك الإستشراف شرع فيه قبل أربع سنوات ووضعت له خارطة طريق مشوا فيه أميالا، ولكن للبحث عن أوجه الخلل إن لم تكن النتائج قد تطابقت مع التوقعات ولقياس المستويات التي بلغتها الأصناف المتبارى على ميدالياتها في الألعاب الأولمبية، لتطوير الملكات الفنية، التكتيكية والنفسية بهدف التطابق مع المستويات العالية كما حددت سقفها ألعاب ريو.
هكذا تشتغل الدول التي تتصدر اقتصاديات العالم والتي تؤمن إيمانا راسخا بأن مؤشر الرياضة هو واحد من أكبر المؤشرات على الهيمنة الإقتصادية، وبدرجة أقل تمضى الدول التي ليس لها نفس الثقل الإقتصادي إلى ما يساعدها على مواصلة البروز في الرياضات التي تبقي للدول المستضعفة ميداليات تقتات منها، ولا أظن أننا من هؤلاء برغم ما نتفوق فيه اليوم على دول تسبقنا بدرجات في ترتيب الميداليات في الإمكانات المالية المرصودة، فلا مال ينفع إذا ما انعدمت الموهبة وإذا ما أصبح الأبطال سلاحا به يتحارب مسيرون داخل الجامعات وإذا ما فشلنا ولم يزدنا هذا الفشل إلا إمعانا في الفشل.
بالقطع لست من الذين يطالبون بالتشطيب الكامل على من رمت الأقدار اللعينة بالرياضة بين أيديهم فعاثوا فيها فسادا، فمهما فعلنا لن نتمكن في يوم وليلة من تنظيف الجحور والقضاء على جيوب الفساد الرياضي، ولست من الذين يطلبون تحطيم الصرح على الرؤوس، لأن الهدم بهذه الفظاعة لن يفيد في شيء، ولكنني أطالب بأن تعي الحكومة ما معنى أن نجعل من الرياضة أولوية في المشروع التنموي والمجتمعي، الوعي الذي يعيد بناء الإستراتيجيات بروح أولمبية بها تفوق المغرب في عقود خلت، والوعي الذي يجعل الحكومة القادمة تقيم وزنا للسياسات الرياضة فتكون الأمين عليها والضامن لنجاحها، فما يحتاجه المستوى العالي لتحقيق الإنتظارات على المستويات القارية والعربية والأولمبية أكبر بكثير من الطريقة الخرقاء التي نتدبر بها اليوم رياضتنا من قمة الهرم إلى قاعدته.
ولئن ساعدنا رياضتنا على التفييء المنطقي الذي يضع لها ثوابت ومرتكزات من رياضة القاعدة إلى الرياضة التنافسية إلى رياضة المستوى العالي، فإن هناك حاجة اليوم لأن يبادر المغرب إلى إحداث قطب التفوق الذي يتيح للأبطال الرياضيين التطابق بالكامل مع المستوى العالي ذهنيا وبدنيا وتقنيا واجتماعيا، قطب يضم خبرات وطنية وأجنبية يستطيع بمناخه الإحترافي وطريقة اشتغاله إبعاد الرياضيين المؤهلين للتنافس أولمبيا من تفاهات الجامعات وصراعاتها البديئة، والتي تتردد صورها المعيبة على أفواه الرياضيين المغاربة كلما خاب رجاؤهم في الألعاب الأولمبية.
وجب إذا ونحن نطوي بألم صفحة أولمبياد ريو دي جانيرو، أن نتوجه حكومة ووزارة ولجنة أولمبية ومؤسسات إقتصادية كبرى إلى العمل من الآن لإعادة الرياضة الوطنية إلى سابق عهدها أولمبيا، فلا يفصلنا عن أولمبياد طوكيو غير أربع سنوات، وهي مدة زمنية لا تمثل شيئا في الأبعاد الزمنية للإستراتيجيات الرياضية القائمة على أساس علمي.