سأعمل مستشارا للركراكي لأنني لا أطيق الإبتعاد عن كرة القدم
ما بين دموع الفرح ودموع الحزن.. ما بين مشاعر الإنتشاء ومشاعر الإنقباض والتوجس، توزع نبيل باها في ذاك اليوم الثاني والعشرين من شهر يونيو الحالي مع نهاية مباراة الفتح الرباطي أمام الراسينغ البيضاوي برسم إياب سدس عشر نهائي كأس العرش، فلم يكن الحدث في تلك المباراة هو أن يعبر الفتح حاجز الراسينغ ليصل إلى دور ثمن نهائي الكأس، فأبدا لم يعد هذا يمثل للفريق البطل حدثا، إنما الحدث كان هو إعلان نبيل باها رسميا عن إعتزاله كرة القدم كلاعب.
الدموع هي دموع فرح بالوصول إلى المحطة الختامية لمسيرة كروية جالت بنبيل باها ثلاث قارات متقلبا بين العديد من الأندية، وهي دموع حزن أيضا لأن أي لاعب لكرة القدم لا يتمنى مفارقة الرياضة التي أكسبته حب الناس.
«المنتخب» وهي ترصد لهذه اللحظات التي اختلط فيها ما هو تراجيدي مع ما هو إحتفالي أوقفت الزمن قليلا لتسائل نبيل باها عن عمر قضاه متألقا وخلوقا ومحترفا في الملاعب العالمية كلاعب.
ــ المنتخب: ليس هناك أصعب على لاعب كرة القدم من أن يقرر إسدال الستارة وإعلان الإعتزال، هل أدركت جيدا قيمة هذا القرار؟
نبيل باها: بالطبع وإلا لما كنت قد اتخذته وأنا في كامل قواي العقلية، صحيح أنه من الصعب على أي لاعب كرة القدم أن يقرر في لحظة إنهاء مشواره كلاعب، فهذه اللحظة هي التي لا يريد أي لاعب التفكير فيها، إلا أنني من منطلق إحترافيتي وإيماني المطلق بأن لكل مسار بداية ونهاية، ولأنني أحترم مسيرتي الكروية وجمهوري أيضا فقد قررت أن أضع خاتمة لمشواري الكروي، وأنا سعيد جدا أن تكون هذه الخاتمة قد وضعت وأنا لاعب لفريق الفتح.
ــ المنتخب: هل حصلت على إشارات من المدرب وليد تدعوك إلى إعلان الإعتزال، أم أنك اتخذت القرار بمحض إرادتك وعن قناعة طبعا؟
نبيل باها: لا أبدا، ليس من طبع وليد الركراكي أن يفرض أي قرار على شخص آخر، فأنا من أدخلت نفسي غرفة التفكير المركز منذ وقت ليس بقصير وسألت نفسي عن اللحظة التي يجب أن أعلق فيها الحذاء من دون أن يكون لذلك أي تأثير سلبي على نفسيتي.
لقد أدركت أنني وقد وصلت إلى سن الخامسة والثلاثين أصبحت في مرحلة تستوجب التوقف عن الممارسة، لأترك المكان لشباب غيري يحلمون بما كنت أحلم به قبل 16 سنة عندما بدأت مشواري كلاعب محترف مع نادي مونبوليي الفرنسي.
لذلك أنا مطمئن ومرتاح البال لأنني اتخذت القرار الصائب في اللحظة المناسبة، وأنا سعيد جدا بما تحقق لي في مشواري كلاعب.
ــ المنتخب: كيف لا تكون سعيدا وقد ختمت مشوارك الكروي بالفوز بلقب البطولة الإحترافية مع الفتح، بل أن يكون هذا اللقب هو الأول لفريق العاصمة منذ 70 سنة؟
نبيل باها: الله سبحانه وتعالى هو من يرتب الأشياء وهو الذي قدر لي أن أنهي مشواري الكروي داخل فريق الفتح بعد أن جلت بين القارات الثلاث متنقلا بين العديد من الأندية، الحمد لله أن نهاية المشوار الكروي لنبيل باها اقترنت بهذا الحدث السعيد والرائع الذي ما زال صداه يتردد في بيوت العاصمة الرباط، فالفوز بلقب البطولة الإحترافية هو أغلى ما يمكن أن يحققه لاعب في مشواره الرياضي بعد الإنجازات الدولية مع المنتخب القومي طبعا، صدقني أنني وأنا أتوج بطلا مع الفتح عشت نفس الأحاسيس التي شعرت بها يوم بلغنا نهائي كأس إفريقيا للأمم سنة 2004 بتونس، ولو أن الفرحة وقتها لم تكتمل.
ــ المنتخب: كنت أيضا محظوظا وأنت تلعب تحديدا في المغرب لفريق الفتح، من أشار عليك بذلك؟
ــ نبيل باها: هذا صحيح، فأن ألعب لفريق مثل الفتح شيء رائع للغاية، صدقني لم أجد فوارق كثيرة بين ما عشته مع أندية أوروبية وبين ما أعيشه مع الفتح، بل إن الفتح يتفوق على بعض الأندية الأوروبية في الإمكانيات اللوجستيكية الموضوعة رهن إشارة الطاقم التقني واللاعبين، بالطبع فريق بهذه الإحترافية لا يمكن إلا أن يصبح مع الأيام فريق ألقاب.
أما عن انضمامي لفريق الفتح فقد كان بإشارة من زميل الأمس وليد الركراكي الذي قضيت معه فترات جميلة يوم كنا نلعب لأسود الأطلس، وعندما اتصل بي وقدم لي مشروعه مع الفتح تحمست وأجبت على الفوز بالقبول، ولا أظن أنني أخطأت لأن ما نحن بصدده اليوم من نجاحات يقول على أنني أحسنت الإختيار.
ــ المنتخب: عندما سيعود نبيل باها لمذكرته كلاعب سيتذكر محطات كثيرة بلا شك، وسيتذكر على الخصوص كأس إفريقيا للأمم بتونس واللقب الذي طار من بين أيدي أسود الأطلس؟
ــ نبيل باها: كنت سعيدا باللعب لمنتخب بلادي، بل كنت أسعد بأن إسمي إقترن بواحدة من أزهى فترات الفريق الوطني، عندما رحلنا إلى تونس سنة 2004 ولا أحد كان يرشحنا لبلوغ المباراة النهائية، ونجحنا في ذلك بعد تقديمنا لعروض رائعة في المباريات الخمس التي خضناها بتونس، وكان بالإمكان أن نكمل الملحمة ونفوز بكأس إفريقيا للأمم وقتذاك لولا أن الظروف عاكستنا، ومنها أننا واجهنا في النهائي منتخبا يستضيف البطولة ويلعب أمام جماهيره.
ــ المنتخب: أكيد أنك لم تنس مرورك بنادي مالقا الإسباني، فاللعب في الليغا أمر ممتع للغاية؟
ــ نبيل باها: هذا صحيح، فأنا أعتبر الليغا من أفضل البطولات الأوروبية، كيف لا وهي تضم أندية من عيار ثقيل مثل ريال مدريد وبرشلونة، لن أنسى تلك المواسم التي قضيتها مع مالقا وسيظل الهدف الذي سجلته في مرمى ريال مدريد خالدا في ذاكرتي، أنا في النهاية فخور ومعتز بمسيرتي الكروية، ولا أستطيع أن أميز بين مرحلة وأخرى لأن لكل مرحلة حلاوتها ولحظاتها الجميلة والحزينة أيضا.
ــ المنتخب: كلما علق لاعب الحذاء وأعلن الإعتزال إلا واختار أحد الأمرين، إما أن يبتعد كليا عن كرة القدم وإما أن يظل لصيقا بها ويدخل عالم التدريب، ماذا اخترت أنت؟
ــ نبيل باها: أنا من الذين لا يستطيعون العيش بعيدا عن كرة القدم، وإن كنت قررت اليوم إعتزال اللعب فإن علاقتي بكرة القدم ستبقى مستمرة، لقد حصلت من زميلي وليد الركراكي على طلب للإنضمام للطاقم التقني كمستشار، وأنا سعيد للغاية بهذه الثقة الغالية ويسعدني أكثر أن أعمل داخل الفريق الذي أكن له كل الإحترام والتقدير.
سأنضم على الفور للطاقم التقني المساعد للإطار وليد الركراكي وسأواصل في ذات الوقت بحثي وتكويني في مجال التدريب، لأكون خبرة مسخرة من أجل خدمة الفتح وكرة القدم المغربية بشكل عام.
ــ المنتخب: أسدلت الستارة على مشوارك كلاعب، فأي كلمات تختم بها هذه الفقرة من ملحمتك الرياضية؟
ــ نبيل باها: أشكر كل من ساهم في اكتشاف موهبتي وكل من ساعدني على أن تصبح كرة القدم مهنة لي، أشكر بالطبع والدي وعائلتي الصغيرة وكل المدربين الذين تعاقبوا على تدريبي، وأفادوني رياضيا وإنسانيا، أشكر المدرب والناخب الوطني الزاكي بادو الذي أعطاني فرصة مشاركة الجيل الذهبي لسنة 2004 في انجاز كأس إفريقيا للأمم، وأشكر زميلي وصديقي وليد الركراكي الذي مهد لانضمامي لفريق الفتح لأعيش معه كل هذه اللحظات الجميلة، وأشكر إدارة الفتح التي عاملتني باحترافية وبإنسانية لا متناهية، وأشكر في النهاية جماهير الفتح والصحافة الرياضية المغربية التي ظلت تواكبني وتترصد أخباري.