ثلاثة أشياء إنطبعت في ذاكرتي وأنا أحضر اليومين الدراسيين اللذين دعت لهما الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم يومي الإثنين والثلاثاء الأخيرين بالمركز الدولي للمؤتمرات محمد السادس بالصخيرات، وحظيت باستجابة كبيرة من كافة أطياف عائلة كرة القدم الوطنية.
أول هذه الأشياء أن الجامعة بدعوتها لهذا التناظر حول حاضر كرة القدم ومستقبلها القريب في هذا التوقيت بالذات وفي السياقات التي نعرف، تكون قد كسرت أولا قاعدة الدعوة الطارئة لعائلة كرة القدم للتداول في أمر كرة القدم على أنقاض الهزائم والإقصاءات التي يجترها الفريق الوطني من مشاركاته الدولية والقارية، وتكون ثانيا قد أسست لخيار إستراتيجي يروم تثبيت مواعيد تلتقي فيها أطياف كرة القدم لتعمل النقد الذاتي ولتقيم المرحلة ولتحين الإستراتيجية والمنظومة على حد سواء.
ولعل الفارق كبير وشاسع بين أن يأتي الشركاء في صناعة كرة القدم للتداول تحت تأثير إقصاء أو هزيمة بما يصاحب ذلك من حالات عاطفية وانفعالية قد تشوش على التفكير، وبين أن تأتي للتناظر بتحريض من المنظومة الكروية التي تحتاج إلى ما ينعشها ويحينها لتكون أكثر ملاءمة لمتطلبات المرحلة، وإذا كان هناك من نجاح يسجل للأيام الوطنية المنعقدة بالصخيرات، فمرده أولا لحالة الإقتناع الفكري بضرورة أجرأة كل التدابير الإنتقالية ومرده ثانيا للتجاوب الكبير الذي أبدته عائلة كرة القدم مع الدعوة لهذا التناظر، إذا نحن أمام إنعطافة كبيرة على مستوى توقيت مثل هذه التناظرات وعدم ربطها الربط التعسفي مع سوء النتائج.
ثالث هذه الأشياء هو أن الشعار الذي إختارته الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لأيامها الوطنية، «معا، لبناء كرة قدم الغد»، وضع بحكمة بليغة وجاء معبرا عن الدوافع الرياضية والإستراتيجية لعقد مثل هذا التناظر، فهناك إقرار على أن البناء لا بد وأن يكون جماعيا ومتقاسما، يتحمل فيه كل الفاعلين مسؤوليتهم، وهذا تنزيل لخيار وضعه فوزي لقجع رئيس الجامعة أساسا لمنظومة العمل، خيار التشارك الذي يذهب نحو كل الفاعلين بلا إستثناء من أجل المساهمة في بناء هذا الغد الكروي الذي نريده مشرقا وضاحكا وجالبا للسعادة.
ولم أجد في الوجوه التي طالعتها وفي المحاور التي تم إختيارها للورشات الإثني عشر أي إقصاء لأي ضلع من أضلاع المنظومة الكروية، فقد منحت الأيام الوطنية لكل مهنيي القطاع الكروي فرصة التحاور والتداول الحر والديموقراطي وبعده الإنفتاح على تجارب الآخرين.
أما ثالث هذه الأشياء فهي وعينا أخيرا بقيمة وأهمية الزمن في بناء المستقبل القريب لكرة القدم الوطنية من منطلق إستراتيجية وطنية متطابقة ومتوافق عليها، فقد كانت كل تناظراتنا وإجراءاتنا تراهن على الحلول السريعة التي نصفها في العادة بالترقيعية، غايتها توظيف كل الإمكانيات والملكات لتحقيق نتائج آنية تغطي على النكبات وتعيد للشعب ثقته بكرة القدم الوطنية، وفي الناذر من المرات والمناسبات كنا ننكب على بناء المستقبل، فكرة القدم التي يجب على المغاربة أن يلعبوها بعد عشر سنوات ليكونوا في قمة الهرم الكروي القاري ويترددوا بلا إنقطاع على كأس العالم، لا بد وأن توضع أساساتها من اليوم، ولا يمكن لأي إستراتيجية لبناء المستقبل القريب لكرة القدم أن تكون مثمرة، إلا إذا ارتكزت على أشياء ثلاثة أيضا، التعبئة الكاملة لكل مكونات العائلة الكروية، أجرأة كل ما يحقق للأندية الحكامة على المستويات الإدارية والمالية والرياضية وسن تقليد الحوار والنقاش بين الشركاء لتطوير المنظومة الكروية.
قد نعثر للأيام الوطنية المنتهية أوجه خلل كما هو حال كل المبادرات والتناظرات، ولكن إيجابية التعاطي مع المبادرة تقتضي أن نعترف لهذه الأيام بقيمتها المضافة أولا وبتوقيتها الزمني الجيد ثانيا وبكل تداعياتها الإيجابية على كرة القدم الوطنية ثالثا، أيام بدأت بشعار «معا، لبناء كرة قدم الغد» وانتهت بشعار «إلى العمل».