سبقتني إلى كلاسيكو البطولة الإسبانية بين الغريمين برشلونة وريال مدريد والذي لا ينازعه أي ديربي أو كلاسيكو في العالم على لقب الكونية للإعتبارات الرياضية والإقتصادية وحتى الجمالية التي سآتي لاحقا لذكرها، الكثير من الأسئلة، كثير منها يرتبط بالسياقات الزمنية وأيضا بالتداعيات الرقمية والنفسية التي قدر لهذا الكلاسيكو أن يجرى متأثرا بها بنيو كامب.
وأبرز هذه الأسئلة، ترتبط بإصرار كل من لويس إنريكي مدرب برشلونة وزين الدين زيدان مدرب ريال مدريد على تقديم أفضل تشكيلة لهما على الإطلاق، لنزال لن يغير الكثير من تضاريس المنافسة على لقب الليغا والذي بات بنسبة كبيرة جدا في جيب برشلونة، نزال يأتي قبل ساعات فقط من صدامين قويين على مستوى عصبة الأبطال الأوروبية، إذ يجد برشلونة نفسه في مواجهة الشرس والعنيد والمشاكس أتلتيكو مدريد، بينما سيكون ريال مدريد مدعوا لمواجهة فولفسبورغ الألماني في لقاء ظاهره يقول بقدرة الريال على العبور، بينما باطنه يغلي كالمرجل لما هو معروف عن الألمان من دفاع مستميت عن الكبرياء.
دفع لويس إنريكي بما يمكن الإصطلاح عليه بالتشكيل المثالي، بثالوثه المرعب ميسي ونيمار وسواريس العائدون للتو من رحلة ماراطونية من جنوب القارة الأمريكية بعد نزالين ثقيلين ومكلفين بدنيا مع منتخباتهم القومية، وكذلك فعل زيدان إذ أبرز في المباراة كل العيارات الناسفة التي يملكها غير آبه بما يكون لذلك من ضرائب ثقيلة على المخزون البدني لما يحتاجه الكلاسيكو في العادة من جهد بدني لتحمل أعبائه التكتيكية، والحقيقة أن إنريكي وزيدان ما كان لهما أن يتصرفا بشكل مختلف، فلو خيرا بين إراحة نجومهم تحسبا للموقعتين الأوروبيتين وبين الدفع بهم جميعهم إلى مطحنة الكلاسيكو، لاختارا طوعا وحتى كرها الخيار الثاني، لأن الكلاسيكو هو التاريخ وهو الجغرافيا وهو الحاضر وهو المستقبل.
بنهاية الكلاسيكو لا الريال إستفاد رقميا من فوزه ولا برشلونة أضاع الشيء الكثير بخسارته، فقد ظل أصدقاء ميسي مبتعدين عن الغريم بسبع نقاط، وأظنه فارق مريح بالنظر لما عليه برشلونة اليوم من جاهزية لعبور كل المطبات المتبقية له في الليغا، إلا أن ما كان على المحك هو سمعة وكونية وقيمة الكلاسيكو في بورصة القيم، فبرشلونة وريال مدريد يضعان نزاليهما الموسمي على مستوى الليغا في مرتبة عالية جدا، والكلاسيكو أيا كان زمنه وتوقيته وحتى رهاناته، هو لحظة لا تتأثر إلا بشيء واحد وبحقيقة واحدة، هي أن هذا اللقاء يوحد العالم بكل قاراته وهي أن هذا اللقاء هو الأقدر على توحيد مشاعر كل الناس، وهي أن هذا النزال بأسطوريته يمثل أيضا فقرة من فصول ملحمة كروية كونية.
هناك إذا تقديس للحظة واحترام لمشاعر الملايين من المشاهدين حول العالم وهناك إحترام للحظات السعادة التي يمنحها الكلاسيكو للناس، وأهم شيء هناك إحترام لما تلزم به كونية المباراة الفريقين معا من استغلال أمثل للنواحي الدعائية، فعندما يصرف أي معلن ملايين الدولارات من أجل الإرتباط بالريال وبرشلونة فإنه يرى الكلاسيكو ذروة هذا الزواج التجاري.
وطبعا عندما نقف على بعض الأرقام المرتبطة بالعدد المهول للصحفيين المواكبين للكلاسيكو (693 إعلاميا من 33 بلدا) وبالقيمة الإجمالية للنجوم الذي أثثوا هذا الكلاسيكو (1400 مليون أورو، 693 قيمة لاعبي برشلونة و707 قيمة لاعبي الريال) ندرك جيدا أن هذا الكلاسيكو هو لغة من لغات العالم.