سعيدا ومنتشيا بما شاهدته من مباراة الرجاء وشباب الريف الحسيمي بما أنتجته من فرجة ومن سجال تكتيكي بين مدربين يجيدان القراءات القبلية وكأنهما يلعبان فوق رقعة شطرنج، تحولت سريعا إلى الشوط الثاني من مباراة الفتح ولوم الكامروني عن إياب الدور الأول لكأس الكونفدرالية الإفريقية لعلني أجد في أداء الفتح قبسا تكتيكيا يبدد العتمة التي نشرها الفتح حول نفسه خلال الشوط الأول، إلى أن فاجأتني مكالمة هاتفية من قناة عربية تطلبني لإبداء الرأي على الأثير في الأحداث الكارثية والمأساوية التي خيمت على مباراة الرجاء وشباب الريف الحسيمي فأحالتها إلى مجزرة حقيقية، قيل لي وقتها أنها أوقعت قتيلين وعشرات الجرحى.
لا أخفيكم أنني وأنا أعتذر عن إنجاز المداخلة لعدم معرفتي الكاملة بالوقائع، إعتقدت أن لبسا ما حدث، فقد يكون الأمر إختلط على زملائي فأشاروا بالخطأ لمباراة الرجاء وشباب الريف، بينما الأمر يتعلق بمباراة غيرها، وما عزز هذا الإرتياب والخوف من أن يكون شطط ما قد حضر في تقدير الأشياء، أن المباراة التي شاهدتها لم تنبئ في أي لحظة بما أطلعت عليه لاحقا من صور مروعة، لم يكن هناك على الإطلاق ما يقول أن مباراة الرجاء والحسيمة ستنتهي بأحداث شغب دموية ومميتة، بدا وكأن هذا الإقتتال العلني الذي دلتني عليه الصور المنقولة من مركب محمد الخامس بالدار البيضاء، ولد من عدم من دون مقدمات ومن دون فتيل وحتى من دون مخاض، وكيف لي أن أتصور ذلك وشباب الريف الحسيمي لم يتنقل إلى الدار البيضاء سوي ببضع جماهير بدت مسالمة وراضية بمآل المباراة، فمع من دخل جمهور الرجاء في حرب شعواء استعملت فيها الشهب الحارقة والعصي والرفس الهمجي؟
خلافا لكل مسببات الشغب التي أحصيناها حتى عيينا، كان الإقتتال هذه المرة بين مناصري الفريق الواحد، بين فصيلين مساندين للرجاء وصلا درجة متقدمة في التضارب الإيديولوجي، وعوض أن يبديا توحدا في حب الرجاء وروحا رياضية في السيطرة على ما هو ذاتي من أجل ما هو شمولي، حب الرجاء، كشفا عن صراع طاحن للأفكار والمعتقدات جنح بهما لعدم وجود وسائل للردع الفكري، إلى الإقتتال بأبشع صورة في مشهد مروع لا أظنه يبقي لنا صبرا ولا قدرة على التحمل.
يربكني بل ويعجزني عن كل وصف أن ينتقل جمهور الرجاء العالمي من جمهور يجوب مواقع التواصل الإجتماعي ويدخل التصنيفات الدولية للأولترات بفضل ما يبدعه من لوحات كاليغرافية جميلة بعضها يفوق الخيال، إلى جمهور ينعت بالصور الدموية المصدرة عنه بالجمهور المتعطش للدم والمحترف للشغب والخارج عن القانون الأخلاقي والرياضي.
كثيرا ما ألحيت على ضرورة تبني مقاربة تشاركية وشمولية في التعاطي مع آفة الشغب التي باتت العدو الكبير لكرة القدم الوطنية، وقصدت بشمولية وتشاركية التعاطي مع الشغب، النفاذ بعمق وبمهنية عالية إلى ما بات يميز جماهير كرة القدم مع دخول فكر «الأولترات» وما يحبل به هذا الفكر من حمولات إيديولوجية، وقد بدا واضحا بعد كل هذا الذي تداعى أمامنا من مشاهد الشغب وقد اختلفت تشكيلاته وتمظهراته من دون أن تتعدد وسائل زجره وردعه، أننا أمام فكر كلما تطرف في الإنتصار لخطه وكلما تعصب في فرض قناعاته إلا وكان وبالا على نفسه وعلى فريقه وعلى كرة القدم، لنكون في النهاية أمام محرقة تذكر بالمحارق الكبرى التي عرفتها بعض الدول فاستنفرت لها كل المؤسسات القانونية والتربوية والإجتماعية والرياضية من أجل التصدي لهذا التطرف الفكري وما ينتجه من ممارسات تفكك الآصرة المجتمعية وتضرب كل المبادرات الساعية إلى تقوية الترابط الإجتماعي.
وعندما نقف جميعا كمغاربة منزعجين وحزينين أمام هول ما شاهدناه في السبت الأسود وقبله في الديربي البيضاوي وقبلهما في الخميس الأسود، حتى أن الشغب لم يترك يوما بعينه لم يلطخه بالدم والعار، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو:
هل نسمح للشغب بأن يزيدنا وجعا وحزنا؟
هل نسمح للشغب بأن يواصل ضرب القيم المغربية الأصيلة؟
هل نسمح للشغب بأن يواصل تحديه لكل ما نصبناه من أدوات ردع وزجر ليصيب كرة القدم الوطنية بالسكتة القلبية؟
هل نسمح للشغب بتدمير ما ربط المغاربة على الدوام من حب لكرة القدم؟
بالتأكيد لا، هناك إذا حاجة لقرارات مؤلمة تحارب الشغب في ينابيعه، فتقضي عليه قبل أن يقضي على كرة القدم.