ما فتئ المغاربة يقدمون على مر الزمان، الدليل تلو الآخر، على وحدتهم وتضامنهم والتفافهم حول ثوابتهم وترابطهم وقيمهم، كلما أشتدت بهم أزمة أو حل بهم مصاب أو ضربتهم جائحة.
وفي غمرة الوجع الكبير والحزن الأكبر الذي أصابنا به الزلزال المدمر الذي ضرب منطقة الحوز وعديد المدن والقرى والمداشر، مخلفا دمارا كاملا وخسائر فادحة في الأرواح، نهض المغاربة سريعا من صدمتهم، يوارون الثرى موتاهم وشهداءهم، يمسحون دمعاتهم، يهبون لنجدة جرحاهم ومصابيهم، ويخترقون الحواجز والموانع لإغاثة من هم تحت الأنقاض يرجون رحمة الله، يفعلون كل ذلك بإيعاز من وطنية رضعوها من أثداء أمهاتهم.
وما إن انجلى ضوء الصباح الذي أعقب زلزال الجمعة، وخرج المغاربة من صدمة الأرض التي تزلزلت تحت أقدامهم، حتى تبين لهم هول وفداحة الكارثة، فقد نقلت الكاميرات صورا لهول ما حدث، دواوير سويت الأرض، أبنية تهاوت، وأجساد ترقد تحت الأنقاض، منها التي خرجت من دون حراك واحتسب أصحابها شهداء عند الله، ومنها من خرجت مثخنة بالجراح تملأ المكان المترب بأصوات الأنين، فكان لابد من امتصاص الصدمة لتكون هناك ردة فعل سريعة لتجاوز محنة زلزال ضرب منطقة كاملة بقوة 7 على سلم ريختر، وكلما كان زلزال بهذه القوة، كلما أشاع الخراب والدمار.
ضغط المغاربة على أحزانهم، ربطوا على قلوبهم الثكلى وفجروا من ينبوع وطنيتهم أنهارا من التضامن والتكافل الذي أبهر العالم كله، سارعوا بالآلاف إلى مراكز تحاقن الدم فأهدوا بسخاء نادر دماءهم الزكية لإنقاذ حياة آلاف الجرحى، حتى أن بعض المراكز اعتذرت عن استقبال المتبرعين، لأنها حققت الإكتفاء وزيادة، فما أعظمك يا وطن.
وعلى منصات التواصل الإجتماعي، انطلقت حملات لجمع التبرعات، فرأينا ما يعجز البيان عن وصفه، مشاهد تعصر من العيون والمآقي الدموع، فبعد دموع الحزن والألم على هول المصاب وجلال الفقد، كانت دموع الفرح بهذا الإحتفال التلقائي للمغاربة بمغربيتهم، الآلاف من الأغطية والخيام والأفرشة والأطعمة تتدفق على المدن والمناطق المنكوبة أو المتضررة من كل حدب وصوب، في مشهد ترتجف له الفرائس لعظمته وجلاله، فما أبهاك يا وطن.
واليوم وقد فتح حساب خاص لجمع تبرعات مغاربة الوطن ومغاربة العالم، من أجل إعادة إعمار القرى التي دمرها الزالزال، سيضرب المغاربة مجددا الموعد مع السخاء والإلتفاف، تماما كما فعلوا خلال جائحة كوفيد 19، وقد وضعوا في صندوق تدبير الجائحة ما يربو على 44 مليار درهم، فما أكرمك يا وطن.
وفي عز الوجع وقوة الأنين من هول المشاهد المنقولة إلينا من المناطق المنكوبة، انتبهنا إلى العالم كله بلا استثناء، وقد استبد به الحزن لمصابنا، فقدم التعازي وأبرز المواساة وعبر عن أسمى مشاطرة للأحزان، وكانت هناك هبة للنجدة، ولو أن المغرب فتح حدوده للعالم ليساعده على لملمة الأشلاء والجراح، لوجده واقفا عند بابه، فما أعظمك يا مغرب، كبير في أفراحك وكبير في أحزانك، وما تفعله كلما داهمتك المحن وابتليت بالكوارث والفواجع، وبقضاء الله الذي لا يرد، أنك تقول للعالم بأنك أكبر من الكوارث والزلازل والجائحات، لأنك كنت دائما وأبدا وستظل بمشيئة الله، متحصنا بشعارك الأبدي، الله الوطن الملك..
وما استعصى على المغاربة منال، إذا العزم والإقدام وحب الوطن كانوا لهم كتابا..