• صاحب الجلالة أرسى القواعد لرياضة شرفت الوطن
• العالم يقف منبهرا أمام إنجازات الأسود بالمونديال 
• ملك يخطط ويحفز ويكرم فأنعم به من ملك وأكرم

يحتفل المغاربة في الوطن وفي كل أنحاء المعمور، بعيد العرش المجيد المُخَلِّد للذكرى الرابعة والعشرين لتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس على عرش أسلافه المنعمين، وفي الإحتفال بروابط البيعة المتينة، وبعمق التعلق بأهداب العرش، وبكل الرمزيات التاريخية التي تعززت بها مكانة المملكة المغربية في رحاب الأمم العريقة والرائدة، هناك احتفال بمسيرة ملك وشعب تحقق الأهداف وتدرك الغايات، وهناك احتفال بصروح النماء التي تبنى في كل شبر من هذا الوطن، وهناك أيضا احتفاء بعبقرية ملك في قيادة بلده إلى المجد والمعالي.
ولا يختلف الرياضيون عن كل فئات الوطن، في الإحتفاء بأغلى وأجل وأبهى الأعياد، فإن هم جددوا الولاء والإمتنان لجلالة الملك محمد السادس على ما حفهم به على الدوام من كريم العناية وموصول الرعاية وصابغ النعم، باركوا كل المبادرات الخلاقة التي أسس لها صاحب الجلالة بفكره المستنير وبرؤيته المتبصرة، فكانت لهم حافزا قويا لتحقيق الألقاب والبطولات..

• الرؤية الملكية الثاقبة
وإن نحن وقفنا فرحين بل ومبتهجين، بما حققته الرياضة الوطنية في السنة المنقضية، وبخاصة كرة القدم، من إنجازات رائعة، عابرة للحدود، ومثيرة للإعجاب والدهشة، ربطنا هذه الصحوة الرائعة لرياضيينا بما أبدعته الرؤية الملكية من إستراتيجية نقلت الرياضة الوطنية إلى مستويات عالية من الإجادة والإتقان.
والذي يقف اليوم على روعة الحصاد، بخاصة على مستوى كرة القدم التي قدمت المغرب في المحافل الدولية والتظاهرات الكونية بأجمل وأبدع صورة، لابد وأن يرتد لسنوات خلت ليقف عند لحظة زرع البذرات وسقيها بالجهد والعمل، وتلك اللحظة من زمن النقد الصريح للذات، كانت هي المناظرة الوطنية للرياضية المنعقدة شهر أكتوبر من سنة 2008، وقد غدت لنا مرجعا بل وآلية للفصل بين الأزمنة والمحطات في تاريخ الرياضة الوطنية.
بتوجيهات ملكية، باشرت وزارة الشباب والرياضة، في أعقاب المحصلة السيئة للرياضة الوطنية بدورة بيكين الأولمبية سنة 2008، عملية تحليل عميق واستقراء علمي للرياضة الوطنية، واقتضى التداول في محصلة هذا الإستقراء، الدعوة لتناظر وطني بالصخيرات، كانت لحظته الفارقة بل والمزلزلة، هي الرسالة الملكية التي وجهها صاحب الجلالة للمتناظرين، رسالة حسم من خلالها قائدنا الملهم في المكانة التي يجب أن تحتلها الرياضة في النسيج التنموي الوطني، باعتبارها شغفا وعشقا وموروثا شعبيا، وباعتبارها أيضا سلما اجتماعيا وواجهة براقة للبلاد وتعبيرا رمزيا عن الإنتماء للوطن، ورافعة من رافعات التنمية المستدامة.
وبالإضافة لكل هذه التوصيفات الجميلة التي استعادت للرياضة مكانتها في المجتمع المغربي، قدم صاحب الجلالة توصيفا دقيقا لعلل وأعطاب الرياضة الوطنية، ووضع خارطة طريق واضحة الملامح لتجاوز هذه الأعطاب والوصول بالرياضة إلى مرتبة متقدمة من العلمية والإحترافية، لتلعب ما هو مخول لها من أدوار في تنمية الوطن وتنمية الإنسان.

• رافعات الصرح الرياضي
ولأن القراءة النقدية القوية والعميقة للواقع الرياضي، عرت بشكل كبير عن مكامن الخلل ومواطن الضعف والوهن، فإن الرسالة الملكية أبدعت كثيرا في وضع المسالك والمعابر وتحديد الآليات والأدوات الواجب اعتمادها في تقويم الصرح، وتجديد الدعامات وتحيين الرافعات، فكنا بحق أمام منظومة إعادة بناء متكاملة، منها خرجت الإستراتيجية الوطنية حول الرياضة، التي تحدد بدقة ما يجب إنجازه في آجال زمنية محددة، لوضع قاعدة الصرح الرياضي على دعامات ورافعات أربع، رافعة البنيات التحتية، رافعة البنية القانونية المتضمنة للخيار الإحترافي، رافعة التكوين ورافعة التمويل الرياضي.
إن هذا المشروع التنموي الضخم الذي يستهدف أساسات وقواعد الرياضة الوطنية، ويراهن على ممارسة رياضية تلائم بين الرياضة القاعدية التي هي حق مدستر ومشاع بين كل المغاربة، وبين رياضة المستوى العالي التي تنشد المنافسة قاريا وعالميا، ما كان ليتقدم خطوة واحدة لولا وجود إرادة ملكية معبر عنها، وهذا ما كان صاحب الجلالة الملك محمد السادس حريصا عليه، وهو يسهم في كثير من أوراش الإصلاح الضخمة، فوجه مؤسسات اقتصادية وطنية إلى تخصيص دعم مالي وازن للمنتخبات الوطنية التي يقع على عاتقها تمثيل المغرب في المحافل الرياضية العالمية، ووجه الحكومة إلى الإنخراط مع الجامعات الوطنية في بناء مراكز للتكوين، وفي بناء المئات من ملاعب القرب وعلى الخصوص دعم شبكة المركبات الرياضية الكبرى التي وضعت المغرب في الريادة قاريا، ومكنته من استضافة العديد من التظاهرات الرياضية العالمية والإفريقية والعربية، ليصبح بذلك القبلة المفضلة لعديد الجامعات والإتحادات الدولية والقارية.

• أكاديمية ومركز لبناء المستقبل والأبطال
إلا أن اللبنة الفارقة وسط هذا الزخم النوعي من المنشآت الرياضية، هو إطلاق أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، التي شدد جلالة الملك حفظه الله على أن تكون صرحا رياضيا متكاملا يستهدف المستويات العالية في تشييد المرافق وفي تكوين الناشئة، وفي زمن يسير غدت الاكاديمية مرجعا للتكوين العالي المستوى وقاعدة خصبة لإنتاج الملكات والمواهب الداعمة للأندية والمنتخبات الوطنية، فلا يخلو إنجاز كروي وطني عند تعداد مراجعه وقواعده، من ذكر أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، ودليل ذلك أن أربعة من نجوم الفريق الوطني الذي حققوا إنجازا تاريخيا غير مسبوق بكأس العالم بقطر 2022، هم خريجو الأكاديمية، كما أن 9 من لاعبي منتخب المغرب لأقل من 17 سنة الذي تأهل للمونديال هم من أبناء الأكاديمية، وبين اللاعبين الذين تحصلوا للمغرب على أول لقب لكأس إفريقيا للأمم لأقل من 23 سنة، مقرونا بالتأهل للأولمبياد، هناك من كانت لهم أكاديمية محمد السادس لكرة القدم البيت والحضن.
وكما حصلت أكاديمية محمد السادس لكرة القدم على علامة الجودة، فإن مركز محمد السادس لكرة القدم الذي قضت الجامعة سنوات في تجهيزه بتوجيهات ملكية، سيصبح علامة فارقة في كرة القدم العالمية وليس الإفريقية، بروعة مرافقه وباستجابته الكاملة لمعايير الجودة العالمية، فحظي من كبار المسؤولين ومن أساطير ونجوم كرة القدم ممن زاروه وأقاموا فيه، بإشادة كبيرة.

• الرؤية المتبصرة تنتج الملاحم
ويجد كل محلل للصحوة الرائعة التي حققتها المنتخبات الوطنية في السنة 24 من قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس لمغربنا الحبيب في دروب النماء والرخاء والإزدهار، ما يثبت انخراط صاحب الجلالة الكامل دعما ورعاية وتحفيزا في مسيرة الإنجازات، وما يؤكد نجاعة وعمق بل واستباقية الرؤية الملكية، حيث أن المفاصل الكبرى للعمل الرياضي التي أمنها صاحب الجلالة، هي التي قادتنا لنعيش سنة إستثنائية بكل المقاييس، سنة تحققت فيها العديد من النجاحات الرياضية، وقطعا لا يمكن فصل هذه الإنجازات عن البيئة التي منها خرجت، وتلك البيئة حرص جلالة الملك على جودتها وسلامتها وخلوها من الشوائب، ليكون أساس هذه النجاحات الرؤية الملكية المستنيرة والمتبصرة.
وتبدو هذه السنة الأوفر محصولا وحصادا، فقد انتظرنا مرور 15 سنة على تناظرنا الوطني بالصخيرات، الذي أثمر الرؤية الملكية التي حددنا ملامحها، وهو ما يؤكد ما كنا نذهب إليه أن الأبطال الرياضيين لا يخرجون من المشهد بضغطة زر وأن الإنجازات الكبرى لا تأتي كلها بمحض الصدفة في مشهد رياضي عالمي يحجم سنة بعد الأخرى عنصر الصدفة والحظ ويدعم الجانب العلمي والإحترافي في تحقيق الإنجازات الرياضية.

• ملك يتقاسم السعادة مع شعبه
وستظل السنة المنقضية، سنة تاريخية بكل المقاييس، حيث تظافرت الكثير من عوامل النجاح ومن عناصر العمل الإحترافي الذي استغرق سنوات عديدة، ليعطينا هذا المنتوج الوفير، الذي جعل المغرب على كل لسان، فالفريق الوطني نجح في كتابة ملحمة رائعة بمونديال قطر 2022، وهو يبلغ الدور نصف النهائي ويصبح رابع العالم، في إنجاز غير مسبوق، ليغمر كل المغاربة وعلى رأسهم عاهل البلاد بسعادة غامرة، فإن كانت الإحتفالات قد غطت المغرب من شماله إلى جنوبه ومن شرقه لغربه، وغمرت كل مكان تواجد فيه المغاربة بهذا العالم الفسيح، فإن أبلغ وأجمل صورة على هذا الفرح التلقائي بملحمة الأسود في المونديال، كانت هي نزول صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله إلى شوارع عاصمته السعيدة، ليشارك أبناء شعبه فرحتهم بالتأهل الذي حققه أسود الأطلس للدور ربع النهائي لكأس العالم، في أعقاب فوزهم على المنتخب الإسباني بالضربات الترجيحية.
وتتويجا لكل التعبيرات الدالة على شموخ وعراقة المملكة التي قدم منها لاعبو الفريق الوطني، صورا عن قيمنا وموروثاتنا الحضارية، فإن صاحب الجلالة سيتوج الإحتفال الجماهيري الحاشد بأسود الأطلس وهم يعودون لأرض الوطن موشحين بأكاليل المجد، باستقبال ملكي للأبطال بمعية أمهاتهم، ليكون ذلك تعبيرا آخر عن رقي وعبقرية الملك، تعبير تناقله العالم كله بكثير من الإشادة والإعجاب والتكريم للفكر الخلاق. 
وإلى جانب أسود الأطلس الذين استحقوا تكريما ملكيا رفيعا لقاء ما أنجزوه لوطنهم ولقارتهم، فإن منتخبات وطنية أخرى وأبطالا رياضيين آخرين، ساروا على نفس النهج، فحققوا إنجازات رائعة كافأهم عليها صاحب الجلالة، ببرقيات تهنئة هي أغلى وسام وضع على صدورهم، فكان ذلك تكريما ملكيا موصولا للكفاءة المغربية التي تبرز عالميا وقاريا.

• دبلوماسية رياضية بأجمل تعبير
وبالعودة إلى الإستراتيجية التي انبثقت عن المناظرة الوطنية حول الرياضة، فقد كان من أهم الأوراش الديبلوماسية الموازية التي تتحرك أفقيا في اتجاهين متلازمين، تموقع الكفاءة المغربية في مواقع المسؤولية داخل مؤسسات رياضية وقارية، بما يضمن تواجدا مغربيا وازنا في غرف القرار، لنقل المعرفة المغربية وللدفاع عن مصالح الرياضة الوطنية، التي باتت مستهدفة من أعداء وحدتنا الترابية، والإنفتاح على التظاهرات الرياضية الكبرى، وتبعا لمخطط بالغ الذكاء والإحترافية، فإن المغرب سيجد له موقعا يليق بتاريخه ومرجعيته داخل المؤسسات الرياضية ومنها على الخصوص الفيفا والكاف، من خلال رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع، وسيستضيف بكفاءة تنظيمية تعجز كل بيان العديد من المنافسات القارية والدولية من بطولات إفريقية إلى مونديالات للأندية.
واقترن هذا التحرك المدروس في الإتجاهين معا، بتوجيه صاحب الجلالة حفظه الله القطاع الوصي على الرياضة والجامعات الوطنية إلى تمثل القيم والأهداف السامية التي انطوت عليها سياسة جنوب جنوب ومد اليد للأشقاء الأفارقة، والتي أرسى دعائمها جلالته، فكان المغرب قبلة للكثير من التناظرات التي بحثت حاضر ومستقبل كرة القدم الإفريقية، كما استضاف العديد من البطولات الإفريقية، آخرها بطولة إفريقيا لأقل من 23 سنة.
وتفعيلا للشراكات التي ارتبطت بها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم مع نظيراتها الإفريقية، وضعت ملاعب المملكة تحت تصرف العديد من المنتخبات الإفريقية لتجري بها مبارياتها الودية والرسمية إلى حين تجهيز ملاعبها الوطنية، فكان ذلك محط تقدير كبير من قبل الأشقاء الأفارقة الذين أمسكوا بالخيط الرفيع الذي يفصل بين دول تأتي لتساعدهم على تنمية مواردهم ودول تأتي لتنهب ثرواتهم.

• إفريقيا تكرم جلالة الملك
وكان أجمل تعبير عن امتنان وعرفان إفريقيا الرياضية لجلالة الملك وللمغرب، على احتضان الأشقاء الأفارقة والمساهمة في بناء صروحهم الكروية، وعلى النتائج المبهرة التي حققها أسود الأطلس بكأس العالم، رفعوا بها رأس إفريقيا وعززوا مكانتها في المشهد الكروي العالمي، هو منح صاحب الجلالة جائزة التميز من قبل الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، بكيغالي، اعترافا وامتنانا وتكريما لكل ما أبدعته الرؤية الملكية الثاقبة، التي قال عنها إينفانتينو رئيس الفيفا وموتسيبي رئيس الكاف، أنها تستحق أن تكون «رؤية العام» التي يجب أن تلهم جميع القادة الأفارقة، ليحدوا حدو صاحب الجلالة في تصميم الرؤية وفي تنزيلها وتمتيعها بكل شروط النجاح.
ولأن الحفل الذي دعت إليه الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، هو حفل لتتويج الإبداع والتميز، فإن صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، سيكشف من خلال رسالته السامية لحفل التميز، في حضور رئيس الفيفا، عن قرار المغرب بالإنضمام إلى إسبانيا والبرتغال، لتشكيل ملف ترشيح ثلاثي لتنظيم كأس العالم 2030، ملف ما فتئ يحظى بالتأييد والمباركة، لكونه ملفا رومانسيا وجذابا، وكيف لا يكون كذلك وهو ترشيح ينشد الجمع لأول مرة بين قارتين في تنظيم كأس العالم.
وما تلك إلا درة من الدرر الغالية والجميلة التي يبدعها ملك عبقري، ليجعل من مغربنا بلدا خلاقا واستثنائيا..