سيتفاجأ الزائر المهتم بالحقل الرياضي، وهو يتجول في المعرض الدولي للكتاب، بالغياب الكلي لأي منتوج ثقافي وطني له علاقة بالرياضة ومن حق المواطن / القارئ أن يتساءل عن المسؤول عن هذا التغييب اللاإرادي أو المتعمد؟ وهل نتوفر فعلا على سياسة العمومية للنشر والكتاب؟
 
في أقل من أسبوع شهدت الساحة الوطنية حدثين بإشعاع دولي، الأول فوز نادي الوداد البيضاوي بنهائي عصبة أبطال أفريقيا لكرة القدم والثاني احتضان الرباط لفعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب. الحدث الأول أتى في ظرفية جد دقيقة وصعبة يمر بها المواطن المغربي من تزايد صاروخي في الأسعار ولهيب يحرق جيوب المغاربة، أي أن هناك حالة أزمة ترخي بظلالها على كل مكونات المجتمع المغربي. الانتصار الذي حققه الوداد أدخل الفرحة والحبور على كل المغاربة، وكم كان بأمس الحاجة لمثل لهذه المتنفسات التي تفرج كرب المهمومين وأحيت سلوك الافتخار بالانتماء وتعزيز الهوية وخلفت صورة جد إيجابية عن المغرب تداولته الصحف الدولية.
ورب متسائل ما العلاقة بين كلا الحدثين: الرياضة والنشر والكتاب؟ الملاحظة التي ستثير انتباه الزائر المهتم بالحقل الرياضي، وهو يتجول في المعرض، الغياب الكلي لأي منتوج ثقافي وطني له علاقة بالرياضة، فالأروقة مليئة بالكتب في مختلف المجالات الفكرية وعلى وجه الخصوص الشعر والقصة والرواية، ومرات تلاحظ تكرار نفس الأسماء، إلا المجال الرياضي بقي مغيبا بقدرة قادر من قبل دور النشر. علما أن الكتاب  كأداة للتواصل المثلى بين المفكر والرأي العام يسعى لرصد نبظ الشارع والمواطن من أفراحه ومشاكله وترقباته حتى لا نقول تخوفاته، والرياضة كظاهرة اجتماعية تختزن وتتفاعل وتعكس حالة المجتمع المغربي.
وفي هذا الصدد، لابد من التذكير بمعطى أساسي بدأ يميز العصر الحالي وهذه ليست ظاهرة مغربية بل موجة اجتاحت العالم بأسره هو ذلك السحر الجاذب للممارسة الرياضية لكل الفئات العمرية والتعاطي المتزايد لها بالنظر للمزايا الصحية والترفيهية التي تفرزها، ناهيك عن الأدوار الاقتصادية التي بدأت تلعبها بفعل التسويق التجاري والنقل التلفزي للمباريات والإشعاع الإعلامي الباهر لهذه المنتديات والتظاهرات على صورة البلد.
كما أن من بين الدوافع الرئيسية التي تحفز الدولة على الاستثمار القوي في المجال الرياضي هو توظيف التألق في المحافل الرياضية بحصد الميداليات مما يخلق نوعا من التماهي بين التفوق الرياضي وقدرة البلد ككل على التميز في شتى الأصعدة، وهذا الصيت العالمي الذي توفره التظاهرات الرياضية تستغله الدول لتلميع صورتها والتعريف بنفسها فالعديد من الدول تعتبر أن الرياضة هي أحد مظاهر الوصول إلى صفوة التقدم والتحضر، وبالتالي فهي تراهن على احتضان الملتقيات الدولية والحضور القوي فيها.
والقارئ المغربي من حقه أن يجد ضالته في معرض الكتاب للإجابة عن العديد من الأسئلة المؤرقة حول المجال الرياضي ومن ضمنها:
-        البعد التاريخي: رصد مدى التوفر على ثقافة رياضية بالمغرب وكذا التأريخ لتألق الرياضيين المغاربة دوليا
-        البعد السياسي: كيفية التوظيف السياسوي للرياضة لخدمة أجندة معينة 
-        البعد السسيولوجي فهم حقيقي للظاهرة الرياضية وخاصة العنف المتولد خلال التظاهرات الرياضية
-        البعد الاقتصادي : مدى مساهمة الرياضة في الناتج الوطني الخام ودورها كدعامة للتجارة والسياحة وتنمية المدينة 
-        البعد الدولي: الدبلوماسية الرياضية والتنافس الحاد بين الدول لاستقطاب التظاهرات الرياضية الدولية
-        البعد التربوي دور الرياضة في تهديب أخلاق الناشئة وإشباعها بالقيم التي تختزنها الرياضة.
-        البعد العلمي والتقني : طرق التدريب والـتأهيل الجسدي والدهني
للأسف الشديد سيعود القارئ المغربي بخفي حنين خاوي الوفاض إذ لم يستطع أن يشفي غليله. ومن حق المواطن / القارئ أن يتساءل عن المسؤول عن هذا التغييب اللاإرادي أو المتعمد؟
من خلال مسار ثلاثة عقود من تتبع لمجال النشر والكتاب يمكن الجزم بأن المشكل لا يكمن في شح الكتابة أو قلة الباحثين، فالحمد لله تزخر الكليات والمعاهد المتخصصة بدراسات علمية جادة في كل المناحي السالف ذكرها ولكنها تبقى حبيسة رفوف المكتبات. في ظل غياب كلي لأي اهتمام يذكر من قبل دور النشر، فقد ألف مدراؤها تقديم أسباب واهية لا يستسيغها العقل على شاكلة  'الرياضة ليست فكرا " الكتب الرياضية لا يقرأها أحد ، الجمهور الرياضي بعيد عن القراءة  وهي أحكام جاهزة تعكس النظرة الضيقة المتشكلة عن المجال الرياضي وعدم فهم كل الأبعاد التي يختزنها. ففي الوقت الذي تلاحظ تهافتا على متابعة آخر صيحات المقاهي الأدبية بأوروبا، نجدهم أكثر بعدا عن الواقع المغربي.
بالمناسبة من يحمل هم الكتاب الرياضي يجد صعوبات جمة في إقناع دور النشر بوجاهة مشروعه الفكري ويصطدم بحائط من العراقيل المثبطة للعزائم ومرات يتم الشروع في مساومته، فهو لا يوقع أي عقد ولا يحصل على أي مدخول فقط يتم منحه في أحسن الأحوال 50 نسخة من كتابه. وهذا ما يفسر كيف أن العديد من الكتاب المغاربة لا يفوق رصيدهم من الكتب واحدا أو اثنين لأنهم ببساطة عانوا الأمرين من مغامرة الكتابة وفضلوا الانسحاب بهدوء. وبالتالي يبقى السؤال المشروع ألم يحن الوقت لإعادة النظر في السياسة العمومية للنشر والكتاب وبالأخص التمويل العمومي ومن يستفيد منه ؟
إلى حين الإجابة عن هاته الأسئلة تبقى الرياضة مغيبة من أروقة المعرض الدولي للكتاب.