• الرياضة تحصي خسائرها وتلملم أشلاءها؟
• كرة القدم وحدها تخرج من الحجر وتوقف الهدر
• سيناريو هيتشكوكي يتوج الرجاء باللقب التاجي 
• النهضة البركانية يقبض أخيرا على تاج الكونفدرالية
إنجاز: بدر الدين الإدريسي
كأي عام يطل علينا.. هامت قلوبنا بمقدم عام 2020 بسرد المتمنيات.. سافرت أمانينا إلى مدن الرجاء.. وكتب التفاؤل حروفه على خيمتنا، وفي ملعب الحياة توقعنا أن تكون المباراة شوطا مثيرا في بطولة العمر.. هكذا استقبلنا سنة 2020، صك أحلام وحزمة أماني، وما قرأ أخد بيننا ما هو مكتوب في اللوح المسطور، فلا يعلم الغيب إلا الله..
أحصينا المواعيد الرياضية، من كأس إفريقيا الكامرون إلى أولمبياد طوكو، وبينهما جداول من الأحداث الرياضية تنهمر على صفحة التوقعات والإنتظارات، ولم يكد خيط من بين أيدينا ينفلت حتى كانت اللحظة الحزينة، حلت بنا جائحة كورونا فأحالت الزمن الرياضي إلى وجع يولد الوجع وألما يعلو على ألم وخوف يكثم الأنفاس ويكسر الضلوع، من سفر ما منه رجوع..
• في الربيع حل بنا الوجع
كثيرون ظنوا وهم يسمعون ترددات الأخبار بوجود فيروس خسيس في أوعية الصين، أن هذا الذي ينعث بوباء كورونا أو فيروس كوفيذ 19، سينتهي به الأمر بعد الإستشراء، لأن يكون تحت السيطرة، فهل ستعجز البشرية في عز الإستكشافات العلمية على تطويق فيروس حقير، والحيلولة دون انتشاره؟
شيئا فشيئا، ستتغير الصورة وسيستوطننا الوباء، سيخترق الدول، الواحدة بعد الأخرى، وستعلن البشرية المصنعة والعالية التطور علميا وتكنولوجيا أنها عاجزة عن صد انتشار الوباء.
في شهر مارس، ثالث شهور العام، في شهر تفتح الزهور وينع الأمل واخضرار الحقول، سيعلن المغرب عن تسجيل أول حالة إصابة بالفيروس اللعين، وسندخل مسلسلا طويلا من التعبئة لاتقاء شر خطر داهم، حزمة من القرارات التي تتوالد مع حدوث الأسوأ.
ستقرر الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم إجراء المباريات من دون جمهور، وتوقع كثير منا أن لا شيء سيعلو على إخلاء المدرجات من صخبها وروحها، إلا أن ما سيحدث بعد ذلك سيضفي على الملاعب صمت القبور..
• مع الحجر يعظم الضرر 
سيتخذ المغرب في ظل حرصه الشديد على حياة مواطنيه، جملة من القرارات الجريئة، في صورة تدابير وقائية عالية الفعالية وسريعة المفعول، وكان منها التوقيف الكامل واللامشروط للمنافسات الرياضية، فبعد أن أفرغت المدرجات من بهجتها ورأسمال احتفالياتها، ها هي تغلق بالكامل أبوابها فلا حركة، بل سكون سيصيب برماده العيون..
في المغرب، وفي كل العالم على حد سواء، ستقفل الملاعب أبوابها، وسيستدعى الناس إلى الدخول في حجر صحي كامل، فلا طاقة للإنسان بتحدي هذا الفيروس الخسيس، ما لم تسارع البشرية إلى إنتاج لقاح يبيد هذا الفيروس ويشل حركته المميتة.
كنا نظن أن عجلة الرياضة وكرة القدم تحديدا، ستعود للدوران بعد أسابيع من توقفها الإضطراري، إلا أن العمل بالمختبرات الوبائية لصناعة مضاد حيوي يضرب الوباء، كان يحتاج لوقت أكبر بكثير مما كنا نظن، فكانت الرياضة وكرة القدم معشوقة مئات الملايين حول العالم، مدعوة لأن تعيش ظاهرة غير مسبوقة في تاريخها الطويل، فما حدث مرة أن توقفت الحركة في كل ملاعب العالم لمدة زمنية كهاته..
• كرة القدم تعلن العصيان؟
لم يكن على كرة القدم أن تحصي عدد الأيام التي تطلبتها عطالة تحت الإكراه، ولا أن تعد الزمن الذي أنفقته في ترقب ساعة الفرج، ولكن أن تحصي خسائرها المالية، فقد انتفخت الأرقام واشتد هول الأزمة، ولم بعد هناك من مناص لتقليب الأفكار والتفتيش عن حل لإنهاء حالة الركوع والخنوع.
بدت الرياضة في حالة من الشلل التام، لا تستطيع أن تحرك ساكنا إزاء الأزمة المتفاقمة، إلا من كرة القدم التي ستعلن بعد ثلاثة أشهر من النكوص والجمود الكامل عن عملية إغاثة سريعة للقاب المريض.
جلسات حوار عقدها فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم مع أعضاء مكتبه المديري، لتفعيل قرار ما منه رجوع، قرار إعادة عجلة كرة القدم للدوران.
تطلب الأمر وضع بروتوكول متشدد لحامية ظهر الأندية من المزيد من الضربات المالية الموجعة، ولحامية اللاعبين من هجمة مباغثة للوباء اللعين..
وتفعيلا لهذه الإرادة، ستعود البطولة الإحترافية بينما كثير من البطولات قررت عدم المجازفة بالعودة ما لم تنتف بالكامل مخاطر الوباء، والحال أن البشرية لم تكن قد وصلت لخط النهاية في مسار المواجهة.
كانت كرة القدم الوحيدة التي أعادت فتح الملاعب، بينما واصلت الرياضات الأخرى رقودها، وفي إعادة الحياة للملاعب سنشهد فاصلا إستثنائيا وغير مسبوق في سيمفونية التنافس..
• النسخة «الكورونية» للبطولة مدهشة!
ليس القصد أن العودة للتبارى في زمن الجائحة اعترته مصاعب كثيرة، بالنظر إلى أن التدابير الوقائية والإحترازية لم تحترم بالكامل وكانت هناك حاجة لتشديدها، ولكن القصد أن ما شهدته النسخة «الكورونية» للبطولة الإحترافية، كان نسجا من الخيال ومن الإثارة الهيتشكوكية، فقد شدنا الثلاثي (الرجاء البيضاوي والوداد البيضاوي والنهضة البركانية)، إلى مشهد رائع عوضنا عن أثقال وكوابيس الجائحة وعن فراغ المدرجات من الجماهير.
فكما أن البطولة الإحترافية وهي تبلغ خط النهاية، متحدية الوباء وشر البلاء لتكافئ الجامعة على شجاعتها وجرأتها في اتخاذ القرار القوي والإستراتيجي، فإنها ستهدينا ما ألهب المشاعر، سيناريو ختامي ولا أروع، إنتهى بإعلان الرجاء البيضاوي بطلا لنسخة كورونا ولإثارة قلنا بعدها لصناعها «شكرا لكم.. أمتعتمونا»، وذاك كان أول لقاح عقم كرة القدم ضد خطر الوباء.
• اختل ميزان التقييم!!
بالطبع لم تترك لنا جائحة «كورونا» وهي تشل إلى اليوم حركة أغلب الرياضات الفردية والجماعية، هامشا كبيرا لوضع العام الرياضي في ميزان الحكم والتقييم، كما هي عادتنا مع نهاية كل عام، وسيكون من الصعب جدا أن تعود كل هذه الرياضات إلى حلبات التباري من دون أن تؤدي لقاء هذا التوقف الطويل وغير المسبوق ضرائب كثيرة، ومن الصعب أن نتحدث أيضا عن يسر وسهولة في عبور الرياضة الوطنية وحتى العالمية لنهر الأوجاع والديون، إلا أننا سنذكر سنة 2020 بكرة القدم، دليلا على أن جماهيريتها وشعبيتها وعدم تحملها لمزيد من الضربات والخسائر المالية، هي ما جعلها تقوى على إسقاط موانع الجائحة وتتنفس إكسير الحياة.
وطنيا لا نحتفظ من عام 2020 بغير الصورة الجميلة والمثيرة التي انتهت بها البطولة الإحترافية بتتويج الرجاء البيضاوي بطلا، ولكن أيضا بتألق أنديتنا عربيا وإفريقيا، فسنة 2020 ستعرف حضور أربعة أندية مغربية في المربع الذهبي لعصبة الأبطال وكأس الكونفدرالية، وستعرف تتويج النهضة البركانية لأول مرة في تاريخه بكأس الكونفدرالية، كما ستعرف بلوغ الرجاء البيضاوي للدور نصف النهائي لكأس محمد السادس للأندية العربية.
ومع عودة المنتخبات الوطنية لمسرح التباري، سيسجل الفريق الطني بانتصاره في ثلاث مباريات وتعادله في مباراة واحدة، قفزة نوعية في تصنيف الفيفا، لينهي العام في المركز 35 عالميا كأفضل تصنيف له منذ سنة 2007.
• عام تغاث فيه الرياضة!
وكما أن العالم يترقب بشغف كبير، اهتداء العلم للقاح يصرف عنا الجائحة، ويعيد الأمور إلى نصابها، سيكون لزاما أن تشكل سنة 2021 انعطافة كبيرة في المسار الرياضي الوطني، فالمصيبة التي عمت بسبب جائحة «كورونا»، ستفرز لنا وضعا مأساويا يفرض تدخلا عاجلا لوزارة الشباب والرياضة واللجنة الوطنية الأولمبية المغربية، لانتشال كثير من الرياضات من رقدتها الطويلة ولعلاج ما ظهر من عيوب وما حدث من تراجع مهول، بخاصة تلك الرياضات التي لها أبطال معنيون بالمشاركة في أولمبياد طوكيو الذي جرى ترحيله لصيف 2021.
تحتاج الرياضات المعطلة إلى خطة إنعاش عاجلة، كما تحتاج كرة القدم الوطنية إلى ما يضمن تواصل العمل في أوراشها الكبرى، وإلى ما يكسب منتخباتنا وأنديتنا الحماس اللازم لكسب ما تحفل به سنة 2021 من رهانات رياضية، ومنها الحضور الوازن للمنتخب الوطني في نسخة الكامرون لكأس إفريقيا للأمم، والتقدم حثيثا في مسار التأهل لمونديال قطر 2023، ودفاع المنتخب المحلي عن لقبه القاري بالشان ومواصلة الأندية الوطنية لحضورها المتميز في عصبة الأبطال وكأس الكونفدرالية.
نتمناه بمشيئة الله عاما نغاث فيه برحمة تذهب عنا الجائحة، وتتجدد أفراح الرياضة ويتواصل بعزم الرجال مشروع بناء رياضة وطنية قادرة على كسب الرهان ورفع التحديات، وكل عام وأنتم بألف خير.