"جائحة كورونا" الملف الإستعجالي
أندية مهددة بالإنقراض ورياضيون على حافة الفقر
إنعاش الإستراتيجية + أزمة الحكامة + معضلة التمويل
هذه هي الأوراش الكبرى التي تنتظر عثمان الفردوس
كلما حل وزير جديد بقطاع الشباب والرياضة، إلا وأعدنا طرح السؤال الأزلي..
ماذا تنتظر الرياضة الوطنية من وزيرها الجديد؟
وبأي حكامة تفكير ومنظومة تدبير، سيدير الوزير الجديد قطاعا أنهكته الأزمات والتهميشات والدوران في حلقات مفرغة؟
بمجيء عثمان الفردوس، إلى حكومة السيد سعد الدين العثماني التي تعيش الأشواط الأخيرة من ولايتها، وصيا على قطاع الشباب والرياضة وعلى قطاع الثقافة، نستحضر المشهد الرياضي الوطني باختلالاته وانكساراته، بآماله وطموحاته، بكل أسئلة القلق المرتبطة بمصير ومآل استراتيجيته التي انقضت عشر سنوات على إطلاقها، وما تم تنزيلها بالكامل، وما تم تحيينها وإزالة ما شابها من أعطاب.
ليس الغرض أن أسود الصورة أو أن أعتم المشهد أو أن أغرق في السوداوية، ولكن الغرض هو التأكيد على أن السيد عثمان الفردوس سيتولى من اليوم ولمدة لن تزيد عن سنة ونصف، إدارة قطاع مر عليه في العقدين الأخيرين 12 وزيرا، قليلون بينهم من ربح معركة التغيير والتطوير..
فما هي يا ترى الأوراش التي ستسأثر باهتمام الوزير الجديد؟ ما أنجز فيها وما لم ينجز؟ من أي أعطاب ومن أي اختلالات تشكو إن هي لم تراوح مكانها؟ وما هي سرعة السير المقدرة التي يجب أن يسير بها الوزير الجديد ليداوي في 18 شهرا ما بالرياضة الوطنية من علل؟
الرياضة في رؤية ملك
يدرك السيد عثمان الفردوس أنه يأتي لتدبير قطاع ظل لعقود من الزمن محل عناية فائقة من ملوك المغرب، ويدرك أكثر أن قطاع الرياضة يحتل مكانة استراتيجية في رؤية ومنظور جلالة الملك محمد السادس حفظه الله لبناء مغرب الأصالة والحداثة والمعاصرة.
والدال على ذلك أن صاحب الجلالة خلال عقدين من الزمن، في قيادة مغرب التحديات والرهانات التنموية الكبرى، ما فتئ يكبر مكانة الرياضة ويعلي من شأنها، بل ويعتبرها رافعة أساسية من رافعات التنمية الشاملة.
إن صدى الرسالة الملكية السامية الموجهة للمناظرة الوطنية حول الرياضة سنة 2008، ما زال إلى اليوم يتردد في المشهد الرياضي الوطني، بالنظر لحكمة المقاربة ودقة المعالجة وحكامة التفكير، فلا شيء مما راج في أدبيات الرياضة الوطنية عبر تاريخها الطويل، كان بتلك القوة النقدية والقوة البنائية والإقتراحية، إذ أن من تناظروا حول حاضر ومستقبل الرياضة الوطنية وقتذاك، لم يجدوا كبير عناء في صياغة استراتيجية تطوير الرياضة المغربية للعشرية القادمة، انطلاقا من المخرجات الرائعة للرسالة الملكية.
وما مرت مناسبة لتكريم الأبطال أو لتحفيز الفرق الرياضية الوطنية، إلا وشدد جلالة الملك على ضرورة أن تصان الرياضة وتحاط بما يلزم من عناية من قبل السلطات العمومية والمؤسسات الحكومية والإقتصادية لتؤدي الأدوار الرفيعة المناطة إليها، اجتماعيا واقتصاديا وصحيا وديبلوماسيا، بل إنه مع تنزيل الإستراتيجية الوطنية حول الرياضة غداة انعقاد المناظرة، سيقدم جلالة الملك الدليل القاطع على الوفاء بالعهود والإلتزامات، عندما بادر جلالته إلى تمتيع الرياضة من جامعات ونواد وأبطال بكل الإمكانيات المادية الممكنة لتأهيلهم (كمثال رصده ل33 مليار سنتيم لإعداد رياضي المستوى العالي لأولمبياد 2012 و2016، وتوجيه المؤسسات الإقتتصادية الكبرى لدعم جامعات الرياضات الأكثر جماهيرية).
ليس هذا فقط بل إن صاحب الجلالة سينعش البنى التحتية الرياضية بإحداث المئات من ملاعب القرب والمراكز السوسيو رياضية والمركبات الضخمة والأكاديميات المتخصصة في تكوين النخب الرياضية.
أي تعاط للحكومة مع الرياضة؟
وإزاء الرؤية الثاقبة لجلالة الملك للرياضة كمرفق استراتيجي، والتي تتبلور في عشرات المبادرات الرامية إلى جعل الرياضة في صلب التنمية الشاملة، فإن الحكومات المتعاقبة لم تنجح بشكل كبير، برغم التفاوتات الموجودة بينها، في تنزيل الإستراتيجية الوطنية حول الرياضة، التنزيل الذي يضمن نجاعة وسلامة العمل في كل الأوراش المتصلة بها، حتى أننا نسجل لغاية الأسف التباعد بين رؤية جلالة الملك للرياضة ورؤية الحكومة، تباعد هو ما ينتج حالة الإحتباس التي تسيطر على المشهد الرياضي الوطنية، بل وكل التقاطعات التي نلحظها في مسار التغيير.
لذلك سيكون في مقدمة تحديات السيد عثمان الفردوس الوزير الجديد أن ينقلنا إلى مستوى متقدم في التعاطي الحكومي مع الرياضة الوطنية، سنحتاج منه إلى ما يقنعنا بأن هناك مقاربة جديدة لمعالجة الإختلالات الوظيفية. ومثلما يحتاج الفردوس في ذلك إلى جرأة وجسارة ومهارة في تدبير الملفات الكبرى، سيحتاج إلى كثير من الصبر عند عبوره للسراديب المظلمة، التي هي أصلا الجيوب المقاومة للتغيير، سواء داخل الوزارة نفسها أو داخل الجامعات الرياضية، أو ما اصطلح عليه الوزير الأسبق محمد أوزين بالطابور الخامس.
"جائحة كورونا".. أي مواجهة؟
لست أدرى أهو من حسن أم من سوء طالع السيد عثمان الفردوس، أنه جاء إلى قطاع الشباب والرياضة وزيرا ووصيا عليه، في زمن "جائحة كورونا"، حيت تتجند البلاد برمتها وراء عاهلها لإجلاء الجائحة والتخفيف قدر الإمكان من أضرارها البشرية والصحية، فعلى غرار كل المرافق الحيوية الأخرى للدولة التي شلت حركتها الإقتصادية، سيكون الوزير الجديد أمام ملف ثقيل غير قابل للتأجيل، بل إنه ملف يحظى بالأولوية، لماذا؟ لأنه يتعلق بمصير المئات من الجمعيات الرياضية والعشرات الآلاف ممن يمتهنون الرياضة، وليس لهم غيرها موردا ولا مصدرا للرزق.
مؤكد أن جائحة كورونا أصابت الكثير من القطاعات المنتجة والمشغلة بالشلل التام، ومن بين هذه القطاعات قطاع الرياضة الذي توقف به العمل نهائيا يوم 15 مارس الماضي، والحال أن الأندية الرياضية بتوقف النشاط الرياضي وبانقطاع الصبيب المالي القادم من الشركات الراعية والمستشهرة، وبالتزام الجماعات المحلية بالأولويات والإكراهات الطارئة، تواجه اليوم خطر الإندثار والزوال، ما يفرض من السيد الوزير معالجة هذا الوضع الكارثي الذي سيزداد سوء كلما طال بنا الحجر الصحي.
إن الأمر يستدعي تحركا عاجلا من قبل الحكومة لإغاثة القطاع الرياضي، وإلا فإن الحسنات التي نعدها على تنزيلنا للإستراتيجية الوطنية حول الرياضة، ومنها الزيادة في عدد الجمعيات الرياضية المعتمدة والمهيكلة والمستجيبة كليا لأحكام قانون التربية البدنية والرياضة 30-09، ستنمحي وستحتاج الدولة إلى مجهود إسثتنائي لإعادة الخريطة الرياضية الوطنية إلى ما كانت عليه قبل الجائحة.
نحو استراتيجية بديلة؟
لا أريد أن أتحدث عن الأشهر التي قضاها السيد الحسين عبيابة على رأس وزارة الشباب والرياضة، ليس ذما ولا تقديحا ولا إهمالا، ولكن لأنني لم ألمس فيها من القرارات الإستراتيجية والثورية وحتى التقويمية ما يستدعي الذكر، لذلك سأقفز على مرحلته لأذهب إلى الفترة التي تولى فيها السيد رشيد الطالبي العلمي إدارة القطاع، وجرى خلالها النقاش بمناسبة مرور 10 سنوات على المناظرة الوطنية حول الرياضة، بخصوص ما أنجز وما لم ينجز في الإستراتيجية الوطنية.
ولعلي أذكر أن السيد الطالبي العلمي قدم شبه افتحاص للإستراتيجية الوطنية بمناسبة لقاء علمي، عندما قال، أن "الإستراتيجية رائعة من حيث التصور، لكن ينقصها مخطط عمل محدد زمنيا، إضافة إلى التمويل، باعتبار أنه بدون تمويل لا يمكن بلورة مخططات العمل. وأن ما تحتاجه هذه الإستراتيجية الآن، هو وجود فاعلين أقوياء خاصة على مستوى المؤسسات، من جامعات وجمعيات وأندية رياضية، وهو ما تنص عليه القوانين والمساطر (الأنظمة الأساسية للجامعات والجمعيات، العقود النموذجية، الدفتر الطبي، حقوق اللاعب)".
والحقيقة أن الإفتحاصات والدراسات العلمية المنجزة، قادت إلى حقيقة أن الإستراتيجية الوطنية اشتكت من عديد المعطلات البنيوية، بخاصة ما يرتبط بأجراة بنود قانون التربية البدينة والرياضة وما يرتبط بالمستويات المتدنية في استعمال الحكامة والتأخر الحاصل في برامج التكوين لكافة المتدخلين في الفعل الرياضي والبطء الكبير في تطوير الرياضة الترابية باعتبارها رافعة لمشروعنا الوطني الكبير المتعلق بالجهوية الموسعة والرفع من منسوب الديموقراطية في إدارة الجامعات الرياضية وغياب البرامج الجالبة للمنفعة والموارد المالية وقصور رؤيتنا لمستقبل الرياضة القائم على تحديات الذكاء الإصطناعي.
هناك إذا حاجة لاستراتيجية بديلة، لا تقوم على أنقاض ما سبقها ولكنها تحينها وتراكم عليها، إنما بمقاربة تدبيرية مختلفة.
حكامتنا مريضة..
لعل المرتكز الأساس في بناء أي مرفق رياضي مهيكل ومنتج وجالب للثروة، هو الحكامة، فمتى أحسن استعمال الحكامة في المرفق الرياضي متى كان ممكنا لهذا المرفق أن ينمو بشكل كبير ويستثمر على نحو جيد في الثروة البشرية للبلاد، ومتى أسيء استعمال هذه الحكامة وتدنت مستوياتها، متى اختنقت هذه الرياضة وتعطلت وأصبحت عبئا كبيرا على كاهل البلاد.
هذه الحكامة، هي ما أشارت إليه الرسالة الملكية السامية الموجهة للمناظرة الوطنية للرياضة، وقالت أنها من العلل الكبرى لحالة القلق التي سادت وما تزال تسود إلى اليوم، فقد قال جلالة الملك بالحرف: "إن الوضع المقلق لرياضتنا الوطنية، على علاته الكثيرة، يمكن تلخيصه في إشكالات رئيسية، وهي بإيجاز: إعادة النظر في نظام الحكامة المعمول به في تسيير الجامعات والأندية، وملاءمة الإطار القانوني مع التطورات التي يعرفها هذا القطاع، وكذا مسألة التكوين والتأطير، ومعضلة التمويل، علاوة على توفير البنيات التحتية الرياضية، مما يقتضي وضع استراتيجية وطنية متعددة الأبعاد للنهوض بهذا القطاع الحيوي".
لقد انتقل العالم، كما يقول أستاذنا محمد اكديرة، مدير المرصد العلمي في دراسة الحكامة والتدبير، من الحكامة إلى حكامة التفكير، أي أننا أمام منظومة جديدة للتفكير، لا تقبل أبدا بشيء آخر، غير الشفافية في التدبير ودمقرطة المؤسسات الرياضية من جامعات وأندية للوصول إلى أنجع طريقة لإنتاج الأبطال والنخب.
وسيكون لزاما التركيز على حكامتنا المريضة لمعرفة أصل الداء، ولو أن أصل الداء، هو عدم الإمتثال لروح القانون وللأحكام الصادرة عن التشريعات الوطنية والدولية.
إن الأمر لا يتوقف عند مجرد تطبيق أحكام القانون في انتحاب من يديرون الجامعات والأندية والحيلولة دون وقوعها تحت الحجر، ولكن يتعداه إلى إقرار نمط تدبير شفاف ونزيه ما دام أن هذه الجامعات والأندية تعتمد في جانب من موازناتها على المال العام، وبالتالي يكون من حق الدولة أن تضعها باستمرار تحت المساءلة.
ماذا هيأنا للامتحان الأولمبي؟
قد يكون من الحسنات القليلة ل"جائحة كورونا" والمضمرة في سلبياتها الكثيرة، أنها أجلت العديد من التظاهرات الرياضية، وفي مقدمتها أكثر هذه التظاهرات كونية، والأمر يتعلق بطبيعة الحال، بالألعاب الأولمبية المنافسة التي من خلالها، تنظر كل دولة إلى نفسها مرة كل أربع سنوات من خلال مرآة العالم، فما كان واضحا أن الرياضة المغربية لم تكن بفعل ما عاشته في السنوات الأخيرة من تجاذبات ومن صراعات قطبية، في أتم جاهزية لاختبارها الأولمبي، بخاصة مع صعوبة تفعيل دور لجنة رياضة المستوى العالمي واستحالة تنزيل نظام "رياضة ودراسة" التنزيل الكامل.
وسيكون روش التحضير للألعاب الأولمبية المؤجلة لغاية صيف سنة 2021، في مقدمة الأوراش التي سيتداول فيها الوزير الجديد سواء مع أطر وزارة الشباب والرياضة، هذا إذا ما نجح بسرعة في إيجاد من يتطابقون مع منهج عمله ومنظومة تفكيره، أو مع لجنة رياضة المستوى العالي والمدراء التقنيين للجامعات التي إما أهلت أبطالا للأولمبياد أو التي هي في طريقها لتأهيلهم متى برمجت الأدوار التاهيلية.
صحيح أننا لا ننتظر معجزات من أولمبياد طوكيو 2021، بالنظر إلى أن إعداد ابطال بمواصفات عالمية، بمقدروهم المنافسة على البوديوم الأولمبي، يتطلب دورات زمنية من العمل المضني بمواصفات علمية كبيرة جدا، إلا أن وجود المغرب في سبوؤة الميداليات يمثل حاجة ضورورية واستراتيجية في انتظار الكشف عن خطة عمل لتحضير أولمبياد باريس 2024.
نهاية الوجع..
واحتكاما لما نستطيع قراءته في مشهدنا الرياضي الوطني في انتقالاته المرتجلة بين وزراء يختلفون في المنظور ونوعية القراءة التقدية وأسلوب العمل، من إشارات تدل علة هشاشة الوضع برغم النبرة التفاؤلية التي أنهى بها السيد رشيد الطالبي العالمي ولايته على رأس وزارة الشباب والرياضة، فإن الحاجة استراتيجية بديلة باتت ضرورة ملحة، استراتيجية لا تختلف أضلاعها ولا أوراشها عن سابقاتها، فنحن بحاجة إلى مقاربة جديدة للتقدم في الأوراش المعطلة، ومنها ورش التمويل الرياضي وورش استكمال الهيئات المنظمة للرياضة والتوزيع العادل للبنى التحيتية الرياضية بمختلف مستوياتها بين مدن وقرى ومداشر المملكة، والتركيز على الرياضة الترابية، ورفع رهان التكوين بمختلف أجناسه، تكوين الأطر وتكوين الرياضيين على حد سواء، والإشتغال بنوع من العمق على الرياضة الترابية وإحداث ثورة في قطب الرياضة المدرسية والجامعية وتسريع وثيرة العمل بالبحث العلمي من خلال خلق مرصد للعلوم المطورة للرياضة، وختاما التصدي لكل مظاهر العنف والغش والتعاطي للمنشطات.
هل يكفي الوزير 18 شهرا لكي ينجز تقدما ملحوظا في كل هذه الأوراش، وهو الذي يحمل هموم الثقافة وصداع الإتصال؟
نسال الله له الصبر والقدرة..