جاءكم البرهان..
الإثنين 04 غشت 2014 - 11:57حالة الشدوه والدهشة التي كان عليها لاعبو ومسؤولو إسبانيول برشلونة مما شاهدوه في مباراتهم الودية أمام الرجاء مساء السبت الماضي، من توافد قياسي للجماهير الخضراء التي لم تترك ولا مكانا شاغرا بمدرجات مركب محمد الخامس بالدار البيضاء، ومن إحتفالية دالة على وجود شغف كبير بكرة القدم، برغم أن الإسبانيول آت من ليغا هي الأجمل بين كل الدوريات الأوروبية وبرغم أن شقيق العملاق برشلونة معتاد على أن تستقطب مبارياته جماهير بأعداد كبيرة، حالة فوق أنها تشعر بالفخر وفوق أنها تؤكد ما قلناه دائما على أن الجماهير المغربية بشكل عام تتذوق كرة القدم، فإنها تطرح أمامنا حقيقة أن الإسمنت المسلح الذي تقوم عليه أي نهضة كروية والرأسمال الأكبر في أي إستثمار رياضي الذي هو الشغف الجماهيري موجود بالمغرب، وإن كانت هناك في أزمنة قريبة أو بعيدة حالات من الجفاء والعزوف والهجران من قبل الجماهير فذلك لا يعزى بالمرة لتراجع في هذا الذي نصفه بالشغف والولع القريب من الوله، ولكنه راجع بالأساس إلى أن هذه الجماهير تحارب في شغفها ممن يأتون إلى الأندية أو حتى للجامعة فلا يصدرون لها إلا الأزمات والنكبات.
لم يكن هذا التوافد القياسي للجماهير الخضراء على ودية ناديها أمام إسبانيول برشلونة بمثابة إعلان متجدد عن الولاء للرجاء العالمي فقط ولا كان تعبيرا عن عالمية هذه الجماهير التي نالت أعلى درجات التنويه خلال النسخة الأخيرة لكأس العالم للأندية فحسب، ولكنه كان إنخراطا في مشروع آمنت به وصدقته وأبدت كل الإستعداد لكي تنتصره لقيمه الرياضية، إنخراط بدأ قبل سنتين عندما لم تفوت الجماهير الرجاوية أي فرصة لتؤكد قربها الكبير من فريقها.
وبالعودة للكتاب الأخضر الذي قدمه محمد بودريقة دستورا رياضيا للمرحلة ومختزلا لرؤيته الجديدة سنجد أن من أكبر رهانات الثورة المعلنة تأكيد عالمية الرجاء بالسعي أولا للفوز بلقب البطولة الإحترافية الذي سمح للخضر بالعودة مجددا لمنافسات مونديال الأندية وبالعمل ثانيا على جلب مشاهير الأندية العالمية لمقارعتها وديا، ما حقق نجاحات على أكثر من مستوى، فقد نجح الرجاء في كسب نقاط كثيرة إرتقى بها في سلم العالمية، ونجح في رسم معالم لشخصيته الكروية عندما عدد من محكاته التجريبية أمام أندية وازنة ونجح في تقديم صورة ولا أروع عن حميمية العلاقة بينه وبين الملايين من أنصاره، ما رفع من قدر الولاء ونجح أيضا في الإرتقاء بفكره التسويقي، إذ أصبحت مثل هذه المباريات الودية الدولية أمام أندية كبيرة لها رسوخ في المجال الكروي مصدرا من مصادر الدخل، فتحالف الجانب الرياضي والكروي مع الجانب الإقتصادي ليقدما في النهاية حكاية نجاح لا بد وأن يعتمد في كل دراسة أو مقاربة لحالنا الكروي ولممكنات أنديتنا.
وغير الإبهار الذي صدرته مباراة الرجاء أمام الإسبانيول في تلك الليلة الرمضانية الجميلة، هناك حاجة لأن نعرف حجم الإستفادة الفنية المستخلصة من المحك الودي، خصوصا وأن الرجاء الذي صاغ الموسم الماضي ملحمة رائعة بالوصول لنهائي كأس العالم وحلوله وصيفا للبطل، قابلها إخفاق على مستوى عصبة الأبطال الإفريقية التي لم يبلغ فيها سقف الطموح وضياع للقب البطولة، هذا الرجاء كنا ننتظر منه كيف سيقدم نفسه بعد التغييرات التي لحقت طاقمه التقني بمجيء عبد الحق بن شيخة بديلا لفوزي البنزرتي وبانتداب لاعبين جاؤوا لتعويض ثوابت مهمة كانت من عناصر النجاح ورحلت عن الفريق (محسن متولي، عصام الراقي ومحسن ياجور).
وبرغم أن المحك التجريبي أمام الإسبانيول يأتي بعد أربعة أسابيع من العمل تركز في الغالب على الجانب البدني لتقوية المخزون تحسبا لموسم ماراطوني يحتاج إلى زاد بدني كبير، ويصادف أيضا حاجة الرجاء إلى إعادة التوليفة التقنية بحكم أن هناك رؤية تكتيكية مختلفة وهناك أيضا عناصر تريد أن تنخرط في المنظومة، إلا أن الرجاء قدم كل ما يقول بوجود نوع من التوثب الذهني لدى كل اللاعبين وبوجود حجم للعب يتناسب وإمكانات اللاعبين، بالقطع كانت هناك نواقص على مستوى الصياغة الجماعية للأسلوب التكتيكي كما يتخيله المدرب بن شيخة وكانت هناك لحظات سلبية في زمن المباراة وكان هناك عزف ناشز في سيمفونية الأداء الجماعي، إلا أن المؤشرات كلها تقول بأن الرجاء بصدد طبخ مقاربة تكتيكية جديدة من شأنها أن تقدم الرجاء بصورة الفريق الذي يضع كل الفرديات المنتقاة بعناية شديدة في خدمة منظومة الأداء الجماعي.
هذه بعض من خلاصات مباراة يمكن أن تشكل في التاريخ الحديث لكرة القدم الوطنية مرجعا ودليلا على ممكناتها وعلى كل البذرات الموجودة لصنع حاضر أفضل بكثير مما نعيشه، مباراة بكل النجاحات التي تحققت فيها تعيدنا إلى النوستالجيا الجميلة لكأس محمد الخامس الذي كان بكل مشاهير الأندية العالمية التي جلبها للمغرب في ستينيات وسبعينات وثمانينيات القرن الماضي مقدمة لنهضة كروية كبيرة وتحفزنا على أن ننظر للمستقبل بعين التفاؤل.