كيف نكون في أولمبياد ريو؟
الجمعة 07 غشت 2015 - 10:33هي سنة لا غير باتت تفصلنا عن الألعاب الأولمبية الصيفية التي تستضيفها ريو دي جانيرو البرازيلية صيف سنة 2016، وبينما يحتكم الآخرون إلى ميزان علمي صارم ودقيق، وإلى منهجية عمل إنطلقت بوثيرة متسارعة منذ سنوات، وإلى مقاربة لاستراتيجية متبعة منذ الإنتهاء من أولمبياد لندن قبل أربع سنوات لرسم خارطة الأمال ووضع سقف للطموحات وتحديد ممكنات التتويج بالميداليات، ترضى الرياضة المغربية ضدا على أعراف الزمن الرياضي الدولي، بأن تبقى معلقة بما يمكن أن تجود به الأقدار من فلتات لم يعد ممكنا توقع الكثير منها في زمن بات فيه كل شيء خاضعا لرسوم وأحكام العلم، فلا أحد يمكنه أن يتكهن بعدد الميداليات التي يمكن أن نجنيها من الأولمبياد القادم، كما أن لا أحد يمكن أن يعترض على الحقيقة المؤلمة التي تبرز اليوم، والتي تقول أن الرياضة الوطنية قد تجد نفسها بلا ميدالية أولمبية لأول مرة منذ أن سجلت حضورها بقوة في سبورة الميداليات في أولمبياد لوس أنجليس سنة 1984 بذهبيتي الأسطورتين نوال المتوكل وسعيد عويطة ومنذها لم تغب شمس التتويج الأولمبي عنها.
مؤسف أن يكون هذا هو حالنا، أن نرفض الإنتماء للعصر الرياضي الحديث بمتغيراته وبثوراته وأيضا بعلميته في رسم الطريق نحو البطولات العالمية والأولمبية وببرامجه المستحدثة في مجال صناعة الأبطال الذين يخرجون من رحم رياضة المستوى العالي.
أذكر أنه عندما عدنا من أولمبياد بيكين سنة 2008 بحصيلة من الميداليات أعتبرت ضعيفة مقارنة مع الحصاد الأولمبي الرائع قبلها بأربع سنوات في دورة أثينا اليونانية، كنا قد شددنا على ضرورة التعاطي مع صناعة الأبطال العالميين بمقاربات حديثة تنزع إلى العلم في التنقيب والإعداد والتحضير، وتقطع مع الأساليب المتهالكة التي تجاوزها الزمن، وقبل أن يرتد إلينا الطرف جازما بهذه الضرورات الحتمية، كان صاحب الجلالة الملك محمد السادس قد كشف عن مبادرة رائعة ورائدة، تمثلت في تخصيصه لغلاف مالي قارب 33 مليار سنتيم من أجل رصد كل الإمكانيات اللوجيستيكية والمادية والعلمية لإعداد رياضي المستوى العالي بهدف دخول أولمبياد لندن سنة 2012 برهان منافسة الأبطال والإستراتيجيات.
المؤسف أن الميدالية الوحيدة التي نالها المغرب وكانت برونزية عبد العاطي إيكدير في ألعاب القوى وتحطم كل الأمال التي بنتها الرياضة المغربية على رياضة المستوى العالي المدعومة ماديا على نحو لم يتيسر للدول الميسورة، أكدتا بالملموس فشل المقاربة المعتمدة في الإنفاق وفي إدارة رياضة المستوى العالي وأبرزت الفقر المدقع الذي نعيشه على كافة المستويات التقنية والنفسية والبدنية لإنتاج أبطال بمقدورهم المنافسة عالميا ثم أولمبيا.
وعوض أن ننزع بكل مسؤولية غداة الإخفاق الكبير في دورة لندن قبل ثلاث سنوات، لنقد التجربة وحصر أوجه النقص والإعتراف بما أرتكب من أخطاء في المرافقة وفي المواكبة وأيضا في تحليل الوقائع، تركنا الحقائق تموت في مزابل التاريخ، لنقف اليوم ونحن على بعد سنة واحدة فقط من أولمبياد ريو دي جانيرو على أن من يدعي أن الرياضة المغربية تملك رؤية وتستطيع حدس ما يمكن أن تنافس عليه بالبرازيل واهم ومهلوس.
كلما جاء لوزارة الشباب والرياضة وزير يدبر شأنها ويتولى حقيبتها إلا واستند على ما تحدده الكثير من مكاتب الدراسات من أن هناك حاجة عند رصد الممكنات والنواقص ومن أن هناك تضاربا بين ما يحدث على مستوى قاعدة الهرم وما يحدث على مستوى القاعدة، وأن كل قدرة على إنتاج رياضيين من المستوى العالي تمر عبر إنتظام للقاعدة أي للرياضة المهيكلة، وكان لزاما في كل مرة أن يعاد على مسامع المغاربة أن الوزارة ستتعامل مع الجامعات المسؤولة بشكل كبير عن قاعدة الهرم ممثلة في الأندية، بصرامة الأهداف التي يعطي الحق في بلوغها التوصل بالمنح بل وأيضا الزيادة فيها، وبين إختلاف الآليات من وزير لآخر، تحولت هيكلة الجامعات إلى أسطوانة مشروخة، وبالتالي كان من الطبيعي جدا أن لا تكون لهذه الجامعات القدرة على إنتاج رياضيين يستحقون حمل لقب رياضي المستوى العالي والذي يمكن أن يراهن عليه بالدعم المالي واللوجيستيكي على أمل الوصول به إلى البوديوم، هذا دون نسيان رياضيين قدموا بذرات أولية وكشفوا عن ممكناتهم ولكنهم ضاعوا في زحمة اليأس الذي يسيطر اليوم على إدارة الرياضة بمستواها العالي أو حتى بمستواها القاعدي والجماهيري.
هل تكفي سنة لوقف هذا الصدع ولم هذا الشتات والعودة لمنطق التحضير العالمي لأبطال المستوى العالي أملا في ميداليات أولمبية خلال دورة ريو دي جانيرو؟
بلغة العلم وبلغة ما هو سائد في الرياضة العالمية من منطق يضيق الختاق على الحظ، الأمر شبه مستحيل، إلا أننا لو حاولنا على الأقل أن نعترف بإفلاس المقاربات وننطلق بحثا عن صيغ جديدة غير تقليدية للتعاطي مع رياضة المستوى العالي، وحددنا قانونا كيف تكون رياضة المستوى العالي وكيف تدار وبمن تدار، فإننا سنكون قد فزنا بميدالية شرفية تحفزنا على الإنطلاق بثبات وبعلمية نحو صناعة الأبطال إعتمادا على الرأسمال البشري الغني لهذه البلاد التي كانت وما تزال وستظل منبثا للأساطير.