كيف نقرأ الغزو؟

كيف نقرأ هذا التهافت الكبير لأندية البطولة الإحترافية على مدربين أجانب من جنسيات مختلفة ليس لها من مشترك سوى أنها نجحت في تصدير كفاءاتها إلى ما وراء حدودها؟
على أنه إشهار فعلي بمحدودية الأطر التقنية الوطنية والتي بات عدد المؤهلين منها لقيادة أندية البطولة الإحترافية في تزايد ملحوظ بعد الشروع في نظام التأهيل عبر رخصة «كاف ألف»؟
على أنه إقرار بأن البطولة الإحترافية بحاجة إلى مدربين لهم مساحات كبيرة للخلق والإبداع ولهم صرامة أكبر في قيادة سفينة الفرق من دون حاجة للتباكي على ناصيات الإعلام وهتك الأعراض في جنح الظلام؟
على أنه فعل ديموقراطي تستوجبه حاجة هذه الأندية إلى الإنفتاح على محيطات خارجية بهدف إستيراد ثقافة كروية تستطيع أن تخصب المحصول الكروي الوطني؟
ذات مرة تحاشيت أن أنخرط في التطبيل لاستئثار المدربين المغاربة بالأندية الوطنية وإجلاء آخر مدرب أجنبي، فهناك من صور الأمر على أنه فتح عظيم، وهناك من قال أنه إنهاء لهيمنة أجنبية وتسريح بمعروف لمدربين غرباء يأتون للمغرب فينهبون مال الأندية، واليوم أيضا لا أريد أن أصطف خلف من يقفون أمام هذه العودة القوية للمدرب الأجنبي، إما للبكاء على حال بئيس وإما لرمي رؤساء الأندية بجمرات العتاب وهم يحفرون قبورا جماعية لمدربين مغاربة ظلوا يشتغلون لسنوات واليوم يحالون إما على التعاقد وإما على تدريب أندية محكومة سلفا بالفقر المدقع.
لن أسيء النية برؤساء الأندية الوطنية وهم يقررون بشكل شبه جماعي الإرتماء في حضن مدربين أجانب يجمع أكثرنا على أنهم انتقوا بعناية وبقراءة تقنية قبلية برغم أنه يشوبها ما يشوبها من خلفيات، وعلى أنهم أصحاب سير ذاتية غنية، ولكنني حريص على أن نستبق عند قراءة ظاهرة كهاته، فبفرض أن هذا التواجد المكثف للمدربين الأجانب تمليه العديد من الحقائق التي أصنف بعضها في خانة الحقائق المؤلمة، ومنها أن المدربين المغاربة المخضرمين أو الشاب من الذين تصدروا المشهد الكروي الوطني في السنوات الأخيرة وعملوا أكثر مع فرق تلعب البطولة الإحترافية، لم يحسنوا لغاية الأسف الدفاع عن السمعة وإبراز الكفاءة والإستماثة في تطوير الأداء التقني الوطني، بل إن منهم من إسترخص المهنة وقبل بأن يمشي الآخرون فوق جسده.
يقر كثير من المسيرين ممن تعاملوا مع عينة من المدربين المغاربة، على أن المدرب المغربي كما عرفوه لا يتسم بالشخصية القوية في تدبير المراحل الشداد في حياة الفرق، ولا يقدر على تدبير ضغط النتائج السلبية فيترك النوافذ مشرعة ليدخل منها الهواء الفاسد، ولا يجرؤ على صناعة الحلول لأصعب المسائل التقنية، وكثير منهم يوم غادروا تلك الأندية تركوها إما خرابا تنعق فيها البوم وإما بيتا آيلا للسقوط.
قطعا ليس كل المدربين المغاربة من هذه الفصيلة التي يصفها المسيرون وبها يبررون الإستنجاد بمدربين أجانب حتى لو كلفهم ذلك ما يكلفهم في العادة من أموال، وليس كل رؤساء الأندية على قدر من المصداقية ليؤخذ كلامهم على أنه حكم قيمة، فما فسدت كرة القدم الوطنية وما تراجع المستوى وما ضعفت البطولة الوطنية في سنوات الإقتران الأولى بالإحتراف، إلا لأن الأندية الوطنية ابتليت بمسيرين ما جاء بهم لكرة القدم شغف وما حملهم على إدارة الأندية طموح لبناء مشروع كروي، ولكن جاءت بهم أهداف تختلف بحسب توقيتها الزمني، فكان من الطبيعي أن يسوء الحال وتنعدم الأساسات التقنية التي ينبني عليه التعاقد مع هذا المدرب أو ذاك، لنصبح في النهاية أمام مشهد كروي تغلب عليه الرداءة، فتطمس كل معالم الكفاءة وتحرق كل حقول الجمال.
لا بد أن تكون للجامعة في هذا الزمن بالذات الذي ننحث فيها إحترافنا، كلمة تقولها لتوجه بإحكام كل هذه الظاهرة وغيرها مما لها تأثير مباشر على صناعة كرة القدم في هذا البلد، بالقطع هي لا تستطيع أن تمنع هذا الفريق أو ذاك من أن يتعاقد مع مدرب من هذه القارة أو تلك، ولا تستطيع أن تلجم كل رغبة في الإنفتاح على محيطات تقنية أجنبية، ولكنها قادرة على أن ترشد هذا الإنفتاح، أن تعقلنه بأن تضع له بمعية ودادية المدربين المغاربة ضوابط تزداد صرامة الموسم بعد الآخر، لنكون في المستقبل القريب أمام غربال قانوني يلعب دور التصفية والرقابة، فلا يسمح سوى للمدربين الذين تدل سيرهم الذاتية على كفاءتهم الميدانية القريبة قبل البعيدة بأن يأتوا للمغرب، ليس هذا فقط ولكن وجب أيضا أن يكون الإنتقاء مؤسسا على ضوابط فنية موضوعة سلفا، فليس باسم الإنفتاح على الكفاءة الأجنبية نحكم على الكرة المغربية التي قاعدتها وروحها الأندية الوطنية بالشتات والضياع بين المدارس من دون أن تكون لها هوية أو حتى خصوصية. 
أما المدرب المغربي فإن شعر فعلا أنه أصبح بما يقع اليوم من تهافت كبير على المدرب الأجنبي مهمشا وعملة خارج الخدمة، فما عليه إلا أن يعيد طرح الكثير من الأسئلة الساخنة التي كانت وما تزال تتناثر هنا وهناك، سؤال الكفاءة وسؤال العلاقة بين المدربين وسؤال الأدوار المناطة بودادية المدربين وسؤال الأبواب المشرعة التي سمحت لكثير من الفاقدين للأهلية باحتلال المشهد الكروي، فكانت النتيجة أن «سمكة فاسدة خنزات الشواري».