«الكراطة» بصيغة بودريقة
الخميس 14 ماي 2015 - 23:42سيكون من الحمق القول بأن الرجاء لم يرتكب من الأخطاء التي لا أريد أن أسقط عليها صفة العمد، ما إستوجب إنهيار أكثر من صرح، فالنسور إعتزلوا المنافسة على لقب البطولة الإحترافية على غير العادة بشكل مبكر، وجددوا فشلهم في بلوغ دور المجموعتين لعصبة الأبطال وبات إنقاذ الموسم متوقفا على ما سيكون عليه الحال في مباراة ثمن النهائي مكرر لكأس الكونفدرالية الإفريقية التي أريد لها لغريب ومكر الصدف أن تكون هذه السنة وعاء لأندية إفريقية عملاقة بتاريخها ومرجعياتها وإمكاناتها المادية، قاسمها المشترك مع الرجاء أنها إقترفت نفس الجنح على مستوى تدبير لقب الريادة محليا وقاريا.
وسيكون من الضحك على الذقون القول بأن الرجاء وبخاصة رئيسها محمد بودريقة قد نفخ كثيرا في نار الفتن الإعلامية التي يؤججها حمار رئيس نادي سطيف، ليتطاير في المدى رماد يحجب عن العيون حقيقة الفشل الذي يسجل ويثبت على الرجاء في إنجاز الحلقة الأقوى والأهم من المشروع الذي بناه بودريقة حجرة بحجرة مع المدرب امحمد فاخر.
قرأت أن النفخ في الذي حدث هناك في سطيف وكنا من المستنكرين والمنددين به، هو هبة من السماء أعطيت لرئيس ومسيري الرجاء لتوهيم الصورة وتضليل وتعويم الرأي العام الرجاوي والتغطية على الإخفاق، بينما حقيقة المعالجة الموضوعية لهذا الذي تداعى في موسم الرجاء يستوجب بالقطع أن ينصرف بودريقة إذا ما كانت له النية فعلا للبقاء في موقعه كرئيس للرجاء، إلى تحليل الوضعية بلا تشنج وبلا فولكلورية وبلا أدنى مزايدة، فلا أحد يستطيع إستبلاد جماهير الرجاء، ولا أحد بمقدوره نفي أن يكون الرجاء قد إجتر الفشل بعد الآخر خلال هذا الموسم.
وطبعا إذا كانت هناك من حاجة ماسة لإصلاح ما ظهر من أعطاب في تدبير المشروع في حلقته القوية، فإن هذا الإصلاح لا بد وأن ينفذ إلى العمق ليقف على عناصر الإختلال التي ظهرت منذ خروج الرجاء قبل سنة ونصف وصيفا لبطل أندية العالم، وهي كثيرة بلا أدنى شك، سواء ما تعلق منها بالطريقة التي اعتمدت في استثمار الإنجاز على كافة النواحي، أو ما تعلق منها بالإختيارات التقنية التي لم تبن على معايير دقيقة تتوخى على الخصوص التطابق والإستجابة لشرط إكمال عمل تقني بدأه مدرب (امحمد فاخر) أقيل والفريق على بعد أيام فقط من كأس العالم للأندية، وعندما إستأنفه مدرب آخر (فوزي البنزرتي) وأضفى عليه لمسة شخصية ظهرت من خلال النجاح الكبير الذي صادف ثاني مشاركة للرجاء في مونديال الأندية، توقف أيضا لأن الرجاء وهو يخرج منكس الرأس من عصبة الأبطال الإفريقية العام الماضي، لم ير بدا من الإنفصال عن البنزرتي، حتى لا أضيف على ذلك الطريقة التي جرى بها التخلص من عبد الحق بن شيخة لمجرد أن الحظ عاكسه فأخرجه من سباق كأس العرش أمام الجيش.
وطبعا عندما يتلاعب فريق باستقراره التقني على النحو الذي حدث مع الرجاء، من دون أدنى وازع تقني ولا حتى قوة تقهر مثل هذا التهور، فإن ما يأتي بعد ذلك كوارث لا حصر لها، فما أعرفه أن مشروع الرجاء خرج من الخيمة مستويا وناضجا، ولكنه تعرض للقصف ولظلم كبير من ذوي القربى ولو بدون عمد ولا سبق إصرار على تحطيم صروح الحلم.
هناك حاجة اليوم إلى إسعاف المشروع وقد ظهر للكل أنه مصاب بنوبة ارتجاج عنيف، وإذا كان بودريقة يعتقد أن الإسعاف يمر من إعمال «الكراطة» كناية على عملية التطهير الواسعة التي ستباشر بمجرد نهاية الموسم الكروي، مع أن النهاية لن تقترن بآخر مباريات البطولة الإحترافية ولكن بالمواجهة الإفريقية التي ستجمع النسور الخضر بالنجم الساحلي التونسي، فإنه سيكون بلا أدنى شك قد إختار الزاوية الضيقة، بل والخاطئة لمعالجة الوضع، فما يجب التصريح به اليوم من قبل بودريقة، هو ما إذا كان هو نفسه قد توصل في إطار نقد ذاتي إلى ما ارتكب من أخطاء في تنفيذ الحلقة الأهم في المشروع الأخضر، وهو أيضا أن يكون بودريقة قد توصل إلى الجدوى من إسعاف مشروعه القديم، وما إذا كانت هناك حاجة للبحث عن مشروع بديل، ما يقول في النهاية بأن أي مستقبل للرجاء مع بودريقة ربانا، يرتبط بضرورة إعمال «الكراطة» ليس لشطب لاعبين أو حتى مسيرين ولكن لمسح كل العناكب الني تسربت لمنظومة العمل والتفكير فخنقت شرايينه.
لو أجاد بودريقة قراءة الحصيلة في عمقها وليس في نتائجها، فإنه بلا أدنى شك سيكون قد ربح رهان مصالحة الجماهير ومصالحة الفكر الذي من أجله قالت هذه الجماهير «باسطا» وصنعت الربيع الذي جاء ببودريقة عصفورا أخضر يبشر بالألقاب وبالتتويجات.