وإذا الدميعي ضجر..
الجمعة 24 أبريل 2015 - 14:44ما كنت لألتمس العذر لهشام الدميعي في هذا الذي فعله وهو يضع نفسه خارج التغطية ويقرر الإنزواء في مكان قصي شاهرا إستقالة لفظية من تدريب الكوكب المراكشي، ساعات فقط بعد سقوط فارس النخيل بخنيفرة، ما كان يعني ضمنيا الخروج من السباق نحو اللقب، فإن أنا وجدت له عذرا في أن يكون هذا الذي قرره قد قرره تحت وطأة حالة إنفعالية قوية، إلا أنني ما كنت لأقبل أن يتأتي الإنسحاب بهذه الطريقة وفي هذا التوقيت بالذات.
لحظة علمي بالخبر سارعت إلى الإتصال بهشام الدميعي أولا لأعرف منه المسببات والدواعي والحيثياث وثانيا لأعيد معه قراءة ما يمكن أن تمثله هذه الحالة لإطار شاب معول عليه ليمثل الموجة الجديدة لفكر تقني يؤسس لمرحلة أخرى في تاريخ كرة القدم الوطنية، فقد يكون ممكنا أن تعالج الأمور من زاوية غير التي نظر منها الدميعي إلى حالة التمرد، فكان قراره بالشكل الصادم الذي جاء عليه.
ولما لم أتمكن من الوصول هاتفيا إلى هشام الدميعي، إتصلت بفؤاد الورزازي رئيس الكوكب الذي ما أخطأت يوما عندما قلت أنه يمثل الجيل الجديد من المسيرين الذي يرقم جيدا الأهداف ويرتب الأولويات بلا زيادة ونقصان، فوجدته كالواقف مشدوها ومتحيرا من هذا الذي بلغته الأمور، يستشعر بعض الحزن لكون هشام الدميعي أستهدف ممن يستقوون على الظروف ويريدون من المدرب ومن اللاعبين المستحيل، ولكنه يشعر بما يشبه الخيانة، فقد كان يظن أن الدميعي الذي وثق به ووضع الكوكب أمانة بين يديه أقوى من أن ينكسر أمام أول عاصفة نقد تأتي من الآخرين لا مبرر لها وغير مقبول تماما أن تأتي بالصورة البئيسة التي جاءت بها، لكنه أبدا ما قرر أن يدفن رأسه في الرمال إلى أن تهدأ العاصفة، بل قرر أن يمارس ما تمليه عليه الوصاية الفكرية التي يملكها بحق الدميعي.
وتقتضي الأمانة أن أقول بأن فؤاد الورزازي رئيس الكوكب والموكول له قيادة الفريق إداريا والدميعي المدرب الذي كانت المسؤولية التقنية موضوعة على كتفيه، كانا في غاية التناغم، بل إنهما لم يبديا أي نشاز في عزف النوطة المتفق عليها، فهما معا كانا يعرفان أن الكوكب في ورش مفتوح من أجل بناء القاعدة البشرية ثم القاعدة الإقتصادية التي ستتيح للكوكب ذات وقت عندما تنضج المنظمومة، أن يذهب للمنافسة على الألقاب.
كان الورزازي يقول بلسان الموضوعي والعاقل أن الكوكب صاحب مرجعيات وصاحب تاريخ، ولا بد له أن يكون فريقا مؤسسا على عقود أهداف يتوافق الكل من أجل بلوغها، وعندما أقول الكل فذاك يعني كل مكونات مدينة مراكش بلا إستثناء، وأول هذه الأهداف أن يتسلح الكوكب بكل ما يبعده عن السقطات المجانية التي رمت بالفريق ذات وقت إلى قسم المظاليم، وعلى نفس الوتر كان هشام الدميعي يعزف، حتى أنه كان يبالغ في توجيه الخطاب إلى كل من كانت تغويهم بعض النتائج القوية التي كان الفريق يحققها، القول أن لقب البطولة محجوز لأصحاب الموازنات المالية الكبيرة ومن ثم أصحاب القاعدة البشرية الغنية.
قطعا ما كان أحد من أعضاء المكتب المسير للكوكب وأولهم الرئيس فؤاد الورزازي سيلوم الدميعي، إن لم يحصل الفريق على لقب البطولة الإحترافية، فهم يعرفون مثله أن هناك مشروعا رياضيا كبيرا وضعت أساساته الأولى، وأن الآتي من المواسم إن جرى دعم المشروع ماديا ولوجستكيا ومعنويا، سيكون بمقدور الكوكب أن يدخل السباق للمنافسة على اللقب، فلماذا يقرر الدميعي ردة فعل كهاته، إن فسرناها على أنها عجز معبر عنه عن تحمل ما لا طاقة للدميعي به، فيمكن أيضا أن تفسر على أنها هروب للأمام من إطار كان لا بد وأن يكون قويا أمام عاصفة النقد مهما كانت محمولة على الحقد.
يحدث أن أتحدث بين الحين والحين لمدربين شباب، بخاصة أولئك الذين أتوسم فيهم أن يكونوا مدربين طلائعيين يقودون فعلا تجديديا في كرة القدم الوطنية، ويحدث من خلال هذا الحديث أن ينفلت صوت الشكوى من هذا الذي يحدث في محيط الأندية الوطنية، فإما أن هناك عصابات منظمة تسخر من مجهولين لنسف أي مشروع رياضي طموح على أساسه يتم إختيار هذا المدرب أو ذاك، وإما أن هناك مأجورين يوظفون للتشويش على المدربين بداع أو بغير داع، بمناسبة أو بغير مناسبة، والأدهى والأمر أن هذا التشويش يحدث كثيرا في وقت يكون فيه الفريق فائزا، وما أظن أن الكيل قد فاض بالدميعي فما عاد يرى غير النأي بنفسه بعيدا، من دون قراءة لكل التبعات ومن دون تفكير في كل التداعيات التي نتحدث عنها، إلا لأنه سمع ما لا يرضيه وما لا تقبل به أخلاقه وتربيته، وعوض المواجهة التي تفرض أحيانا النزول للدرك الأسفل أخلاقيا، قرر الإبتعاد حتى لا يكون مشتركا في السفاهة الرياضية، إلى أن أقتع من شركاء المعاناة والعمل بعدم رمي السلاح في عز المعركة.
بالطبع لن ينال هذا الذي حدث من هشام الدميعي الشخص الخلوق والإطار التقني الوازن والإنسان المتربي، لن ينال لا من كفاءته ولا من طموحه ولا من المرتبة التي وضعناه فيها، فقد يكون لنا عتاب على أنه إنهار أمام أول إعصار إستهدفه من أعداء النجاح، إلا أننا نصر على ضرورة أن نباشر اليوم قبل الغد حملة لتخليق المشهد الكروي الوطني، فكل ما هو مرصود من إمكانيات وكل ما يبذل من مجهود لتطوير وإنضاج التجربة الإحترافية الوليدة، لا يمكن أن يصل إلى الغاية التي نتطلع إليها جميعا، إذا لم تكن هناك في المقابل حملة ممنهجة من أجل الضرب على أيدي السماسرة والإنتهازيين والوصوليين والغشاشين، وعلى من يسخرون من أجل أجندات لإحراق الكفاءات وتهجيرها.
في حالة الكوكب تعتبر عودة هشام الدميعي إلى فريقه شبه إنتصار على حملات التشويش والتغريض، فلا يجب أن نرمي المنديل عند أول لسعة عقرب.