العجلة من الشيطان
الإثنين 23 مارس 2015 - 15:34قطعا ما كان أحد سيقول أن فوزي لقجع نكث وعده، إن هو تأخر لأسابيع أو حتى لأشهر في إطلاق العصبة الإحترافية، وهو الذي حرص سواء عند تقديمه لبرنامجه الإنتخابي الذي قاده لرئاسة جامعة كرة القدم، أو عند التوقيع على خرجاته الإعلامية على التأكيد أن العصبة الإحترافية ستكون إعتبارا من شهر مارس الحالي قائمة بذاتها ومتمتعة بكل الظروف العملية، المادية واللوجيستيكية لتباشر مع إطلالة الموسم الكروي 2015ـ2016 الإشراف الفعلي على البطولة الإحترافية.
ما كان أحد على الإطلاق سيكره لقجع إختبارا لصدق نواياه، على أن يستعجل في ربط كرة القدم الوطنية بواحدة من أقوى العربات وبواحدة من أكبر محددات الطبيعة الإحترافية التي إخترناها لكرة القدم الوطنية وأنفقنا على ذلك الكثير من السنوات والكثير من الصبر عند دفع ما ظهر على الساحة من مثبطات، ما كانت هناك حاجة أصلا لمسابقة الزمن بشكل جنوني من أجل إنهاء مخاض غير طبيعي لمولود لا أحد بيننا يريده معاقا أو مبثورا.
تابعنا داخل «المنتخب» بالنزاهة والحيادية الكاملة التي هي أقوى رساميلنا السياقات الزمنية التي جاء فيها الإعلان عن عصبة إحترافية كمكون إستراتيجي للمنظومة الكروية الوطنية، ورصدنا كل المخاضات التي كان يمر منها الميلاد، ولما أنبأتنا الجامعة أن مكتبها المديري إجتمع للتصديق على النظام الأساسي للعصبة الإحترافية وحدد يوم 25 مارس الحالي موعدا لعقد الجمع العام التأسيسي قبل الإنتخابي لهذه الهيئة، أخبرنا بما كان من هزات إرتدادية قوية، مصدرها الأساس الأندية المشكلة للمكون الكبير لهذه العصبة الإحترافية، والتي انقسمت إلى فئتين، فئة نفذت إلى الجوهر وهي تلمس كثيرا من العيوب القانونية في النظام الأساسي للعصبة بما لا يسمح تحت أي إعتبار بترك هذه التشوهات القانونية قائمة، وفئة حركت عصا الرفض والمقاطعة لأنها لم تجد نفسها في صلب الفريق المقترح لقيادة العصبة وهي التي لم يهدأ لها روع بعد الذي كان من إنقلاب في المواقع عند التصويت على لائحة فوزي لقجع.
ولأنني أعرف أن الإتحاد الدولي لكرة القدم لا يمكنه أن يكره أي جامعة على سلق عصب إحترافية بشكل يخرجها إلى حيز الوجود وهي ملأى بالعيوب القانونية، كابحة للجماح ومعطلة لكل قدرة على المبادرة، فأنا لا أقبل أن يساق إصرار الفيفا على اكتمال المشهد الكروي الإحترافي في الدول التي تملك إرادة فعلية للأمر بتنصيب عصبة إحترافية، لتبرير هذه السرعة المجنونة التي تعمل بها الجامعة على تنزيل العصبة الإحترافية، كما لا أقبل أن تكون ذريعة الجامعة في تأجيل الجمع العام الإنتخابي هي أنه لا يوجد أي مرشح رسمي لقيادة هذه العصبة من عامها الأول تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها قانونا.
مع تأجيل موعد إطلاق العصبة الإحترافية، تصبح الحاجة ماسة إلى التريث وأيضا إلى الحكمة، لأن النقاش الهادئ والموضوعي والوطني أيضا والذي شاهدنا له فصولا على صفحات الجرائد وموائد الحوار الإذاعي والتلفزي بعيدا عن البهرجة والمزايدات، قاد إلى حقيقة أن التحفظ اليوم هو كبير على الديباجة القانونية للعصبة الإحترافية أكثر منه على من سيتولى قيادة هذه العصبة في لحظة الميلاد والجنينية، فإذا كان القانون يضع العصبة المتمتعة مثل أي هيئة رياضية بحقوق يضمنها لها قانون تنظيم الجمعيات، تحت وصاية الجامعة الملكية لكرة القدم، فلا شيء على الإطلاق يسمح لهذه الوصاية أن تتحول إلى حجر كامل، فتتحول العصبة ككيان مهم إلى مقاطعة تابعة نصا وفصلا وشكلا للجامعة، لا مساحة عندها للمبادرة ولا حول لها ولا قدرة على صناعة القرار.
أنا مع أن تكون الجامعة، ما فعلت هذا الذي فعلته عندما ربطت العصبة بها ربطا قويا إلا لأنها تخاف عليها من السقوط في بداية الحبو، بخاصة لما يتعلق الأمر بتدبير ما يوجد اليوم من رصيد مالي، ولكنني لا أستطيع أن أكون مع تقييد العصبة بحالة الخوف هاته، بحيث لا تتنفس هذه العصبة ولا تنام ولا تستيقظ إلا بأمر أو بإشارة من الجامعة، وإذا جاز القول بوجود وصاية يكفلها القانون، فإن هذه الوصاية لا بد وأن تتدرج بحسب ظروف النشأة، تماما كما أن تفويض الجامعة لعديد من السلط إلى العصبة الإحترافية لا بد وأن يتبع نسقا تسلسليا، ويقتضي منطق احترام التخصصات الموكلة لكل هيئة من الهيئات أن يتحدث القانون عن النصوص في عموميتها، على أن تختص الإتفاقية التي يشترطها القانون لتسلم الجامعة العصبة الإحترافية تفويضا بإدارة وتسيير البطولة في قسميها الأول والثاني بوضع سقف زمني يستكمل فيه هذا التفويض، أي عندما تشعر الجامعة على أن العصبة أصبحت مكتملة الهيئة.
وما يثيرني بل ويستفزني حقيقة أمران إثنان، أولهما أن الجامعة تجزم بأنها ما أخرجت النظام الأساسي للعصبة الإحترافية المتطابق مع التشريع الوطني إلا بعد حلقات من التشاور مع أندية البطولة الوطنية في قسميها الأول والثاني، وأيضا بعد الحصول على تأشير رسمي من الجامعة الدولية لكرة القدم، وثانيهما أن من أخرج النظام الأساسي للعصبة وصادق عليه أعضاء منتسبون أصلا إلى الأندية، وإذا كان بهذا النظام عيب فإنهم هم أول من سيحترق بشظاياه، فلماذا الوقوع عمدا في حالة التنافي؟
جازما أرى أن العصبة الإحترافية هي إستكمال أولي للمشروع الإحترافي في انتظار قانون يؤشر بدخول الأندية ذات الحق إلى نظام الأندية المحترفة، ولكنني بنفس درجة الجزم أتصور أن النظام الأساسي الحالي للعصبة الإحترافية يفترض أن هذه العصبة لا يمكن أن تخرج من حجر الجامعة وهو إعلان كامل بوجود قصور يمتد في الزمان، وطبعا لا أحد سيقبل بأن تكون العصبة جلبابا من الوهم، كما لن يقبل أي شخص يحترم نفسه وتاريخه قيادة عصبة لا توجد في المشهد الكروي إلا بالإسم فقط، فلماذا العجلة إذا؟