في رثاء عثمان..
الإثنين 02 مارس 2015 - 15:41هو وفاء وعرفان، هو إعتراف وامتنان أن أرثي نفسي وأرثي الرياضة العربية وأرثي الرياضة الإنسانية وقد رحل إلى دار البقاء بنفس مطمئنة، راضية ومرضية رجل كتب بالفعل المسؤول، بالمشاعر وبالأحاسيس صفحات خالدة من تاريخ رياضتنا العربية، رجل دافع بضراوة عن القيم الرفيعة، ورجل إستأسد في محاربة كل من كان يريد إجهاض فجر الرياضة العربية الجميل.
صدمني مرة الرحيل المفاجئ للعزيز الأستاذ عثمان السعد الذي تقلب بين العديد من المناصب الرياضية وسكن العديد من المغاور والثكنات حاميا ظهر الرياضة السعودية والعربية، لأنه كان ذاكرة وتاريخا وسيرة تحكي عن الزمن الجميل، وصدمني مرتين أن الرجل الذي لبى نداء ربه وقد كان متعلقا بالحياة ومحبا للتحديات، كان لي مرآة أقرأ فيها نفسي وأحصل فيها على صدى نفسي، لقد كان لي قارئا مدققا يقف إزاء المعاني والإحالات والبناءات اللغوية ليعيد بطريقته الجميلة تطريزها، لتعود إلي وقد ألبست ثوب الجمال والسحر.
لا أستطيع إحصاء ما كانت لي من وقفات مع الرجل، بخاصة لما كنت بمعية أخي وزميلي الأستاذ محمد جميل عبد القادر رئيس الإتحاد العربي للصحافة الرياضية نقتحم عليه بتحريض من إصراره الذي كاد يكون عتابا، خلوته هناك بشاطئ الهرهورة بالرباط، عندما كان يجلس بشموخه قبالة المحيط الأزرق الجميل يعيد كتابة ما حفل به العمر من غزوات وفتوحات رياضية وبين يديه كأس شاي مغربي منعنع يبثه اللوعة حينا ويسكنه طموحا متوثبا لم يكن أبدا لينكسر أمام تقدم العمر حينا آخر.
بالقطع لن تكفيني هذه الزاوية لأكتب سيرة ذاتية لرجل طبع مراحل زمنية كثيرة من أزهى وأبهى حقب تاريخ الرياضة العربية، هو من كان سليل العظماء الذين مروا مرور الكرام والمبدعين والممجدين للرياضة العربية، من أبوا أن تضيقهم الحدود وأن يطفئ فيهم الإنتماء الجذوة العربية، رجل كان جديرا بكل الأدوار التي تمثلها، أعطاها من روحه قبسا ومنحها من إصراره على إنجاحها جرعات، رجل كان للتاريخ الرياضي العربي ذاكرة كما كان التاريخ له سفرا ملأ كل صفحاته بالمواقف الجريئة سواء رضينا عنها نحن معشر الصحفيين أم لم نرض عنها.
كان الأستاذ عثمان السعد رجل المصالحات، صممها وأبدعها بروح توفيقية ترفض الضلالات وتهدم البدع، وما إنتبه إلى ما كان يصوب إليه من سهام النقد، وكان أبو وليد رجلا عاشقا ومحبا وغيورا على الإعلام، فما رآه يوما إلا كما صوره المرحوم الأمير فيصل بن فهد الرئيس السابق للإتحادين العربيين للألعاب الرياضية وكرة القدم، جناحا من دونه لن يطير طائر الرياضة، لم يكن الأستاذ عثمان السعد يأبه مع إقترابه من الإعلام بالنار التي تمسك بتلابيبه، فعلى جسده وفي غوره أخمدت حرائق كثيرة ما تأفف منها لأنه كان يريد الإعلام كما يتمناه فاعلا وصانعا أساسيا للمشهد الرياضي.
وقد أمكنني وكل القامات الرياضية العربية التي تقدر فداحة المصاب وقد رحل عنا الأستاذ عثمان السعد، أن نقف جميعا على عبقرية الرجل في التوصيف وفي إبداع الحلول وفي هندسة المخارج كلما دخلت الرياضة العربية نفقا مظلما، فما كان يفعل ذلك بحرقة أحيانا إلا لأنه كان شغوفا بل ومهووسا برسالة كان يؤمن أنها موضوعة على كتفيه، رسالة أن يكون بين حماة الرياضة يدافع عن كينونتها وعن قيمها وعن مصائرها.