ما علمتنا الأدغال
الثلاثاء 24 فبراير 2015 - 12:15لا أجد سببا لسقطة المغرب التطواني في مباراته بمالي أمام سيركل باماكو بالهدفين اللذين قد يتلفا كل أمل في مواصلة المغامرة الإفريقية على مستوى عصبة الأبطال، إلا أن تكون هناك رعونة قد حضرت في تدبير الرحلة إلى باماكو، فقد قرر المدرب سيرخيو لوبيرا أن يكون السفر في زمن قياسي، بحيث لا يتأثر اللاعبون التطوانيون بما نعرفه عادة من طقوس ومناخات وأجواء تسود الإقامة في بعض الدول الإفريقية ويكون لها تأثير قوي وفوري على ذهنية اللاعبين، إلا أن الأسلوب الذي تعاطى به اللاعبون مع المباراة، ما كانوا عليه في جولتهم الأولى من حضور بديهة ومن أفضلية فنية، وما كانوا عليه في الجولة الثانية من إرتباك تكتيكي أفضى إلى أخطاء جماعية قبل الفردية دليلا على تهاوي التركيز والمنسوب البدني، يؤكد أن الخيار الإستراتيجي كان له مفعول عكسي، فالعبرة كما يقال بالخواتيم والمغرب التطواني عاد من باماكو يجر أذيال هزيمة ثقيلة بالنظر لما هو موجود أصلا من فوارق على أكثر من صعيد بين المغرب التطواني وسيركل باماكو.
قطعا لا نعدم كل أمل في أن تنجح الحمامة البيضاء بمساعدة جماهيرها وباستنفار ملكاتها الفنية في التحليق بسماء تطوان محققة الفوز بالأهداف الثلاثة الذي يمنح حق الإنتقال إلى ثاني الأدوار التمهيدية لعصبة ألأبطال، ولا نشكك في أن للمغرب التطواني القدرة على حجب الفارق، إلا أن الأمر يتطلب تركيزا جماعيا عاليا ويتطلب أكثر من ذلك تصورا تكتيكيا نتمنى أن يكون المدرب سيرخيو لوبيرا قد إهتدى إليه، على ضوء ما شاهده على الطبيعة هناك بمالي، به يستطيع لاعبو المغرب التطواني أن يجهزوا على هذا الفريق الذي يكتشف فيما أظن للمرة الأولى أجواء عصبة الأبطال الإفريقية.
ولئن كان المغرب التطواني لا يعذر بما إرتكب من أخطاء إستوجبت سقطة عقدت نسبيا مباراة الإياب هنا بتطوان، فإن النهضة البركانية تعذر على أنها لم تتعاط مع مباراتها أمام أونز كرياتور المالي بما يلزم من صرامة دفاعية لا تترك أي هامش للخطأ، فالهدف الذي سجله كرياتور في لحظة تراخي الأداء البركاني لاعتبارات فنية وتكتيكية مفهومة ومعللة، يمكن أن يكون له وزن ثقيل في كفة مباراة العودة هناك بمالي، ففارس البرتقال الذي يتعرف كثير من لاعبيه على المناخات الكروية الإفريقية وهي مختلفة كليا عن مناخات البطولة الوطنية، سيكون بحاجة إلى جرعة كبيرة من الثقة بالقدرات وأيضا إلى نسبة عالية من التركيز لكي لا يتأثر بكل المؤثرات الخارجية وما أكثرها وما أفظعها في الأدغال الإفريقية.
ولأنه الرجاء الذي لا يسمح بأن يلدغ من ذات الجحر مرتين، لأنه الرجاء الذي ما كان سيعذر عند أي تفريط في قتل المباراة هنا أمام جماهيره، فقد جاء الفوز بالرباعية على الشياطين السود للكونغو ليؤمن نسبيا طريق العبور إلى الدور الموالي، ونسبية العبور إلى ثاني الأدوار التمهيدية برغم فارق الأهداف الأربعة، تكمن في أنها إفريقيا التي تؤمن أكثر من غيرها من القارات بأن جلد الدب لا يمكن أن يباع قبل قتله، وإذا كان الفوز ذهابا بالأربعة في كثير من البطولات يضع أحيانا الرجلين معا في الدور الموالي من دون أدنى اعتبار لمباراة العودة، فإن إفريقيا تحكي عن كثير من المباريات التي قلبت فيها فرق مهزومة بحصص ثقيلة الطاولة على منافسيها.
بالقطع التأهل لن يصبح حقيقة مكتملة إلا إذا تخلص النسور الخضر من مباراة الإياب بمشاكساتها وبأفخاخها، فالشياطين السود التي قال كثير منا أنها أحرقت بمركب محمد الخامس بالدار البيضاء، قد تنبعث من رمادها وحتى إن لم تتمكن من إقصاء الرجاء فإنها قد تعطل كثيرا من حواسها ونجومها، وذلك ما نخافه، فالرجاء محتاجة لأن تتدبر المباراة بذكاء تكتيكي وبهدوء نفسي وبحذر كبير أيضا.
......................................................
رائع وجميل وموجب للتنويه ما أصبحت ألمسه من تعاط إيجابي وحداثي لجماهير الوداد والرجاء على حد سواء مع فترات تنعت بأنها فترات ممهدة لما نسميه عادة أزمة نتائج، فما أكثر ما عاقبت الجماهير فرقها على عثرات هي من طبع المسير، إما بالإحتجاج الذي يقود للإرتجاج وإما بالعزوف الذي يقلم الأظافر ويحطم القلوب ويثقب الميزانية، بينما كانت ثقافة المناصرة والإستيعاب الكامل لأحوال كرة القدم المتقلبة تفرض أن يظل الجمهور دائما وأبدا إلى جانب فريقه، لا يتركه عرضة للإحباط والقهر.
ذات وقت عندما ساءت نتائج الرجاء وبدأ البعض يتحدث عن بوادر أزمة ستعصف بالفريق الأخضر، وقف الجمهور منتصبا كالجدار، متصديا للزوابع ومانعا رياح الشك من أن تحطم خيام الحلم، وكان لوقفته تلك مفعول السحر على لاعبي الرجاء فحفزوا أنفسهم وانطلقوا إلى عالمهم الجميل تاركين وراءهم خيبات الهزائم.
الحالة نفسها ألمسها اليوم لدى جمهور الوداد الذي عمه حزن وتذمر كبيرين على الخسارة الثقيلة أمام الفتح بالرباط، والتي أفقدت الفريق ثلاث نقاط كان سيحمي بها صدارته، إلا أنه لم يعمد إلى تلويث الأجواء ولا إلى تأنيب اللاعبين ولا إلى التشهير بالمكونات الودادية، على العكس من ذلك قرر الضغط على نفسه ودعا إلى تجديد الثقة في اللاعبين وفي مدربهم، وهناك إجماع على ضرورة الحضور بأعداد قياسية يوم غد الجمعة عندما يلتقي الوداد في مباراة قمة الكوكب المراكشي والرهان الكبير طبعا هو القبض على النقاط الثلاث.
نحن إذا أمام حالة جديدة تستوجب الوقوف عندها طويلا بالتنويه والإشادة لجعلها حالة مستدامة تتحقق معها كل شروط المناصرة وتختفي للأبد ثقافة النتيجة.