إبداع الإمارات أصله رؤية
الجمعة 06 فبراير 2015 - 13:52كان على الإمارات أن تنتظر 18 سنة كاملة لترى أخيرا منتخبها القومي يدخل دائرة الأربعة الأفضل كرويا بأسيا، فمنذ أن حقق جيل التسعينيات إنجاز الوصول للمباراة النهائية لكأس أسيا للأمم، وخروجه حاملا للقب الوصيف في الدورة التي نظمتها الإمارات سنة 1996 وتوج بلقبها الأخضر السعودي مستفيدا من ضربات الحظ، والعمل جار على أكثر من صعيد من أجل أن تنجح الإمارات تحديدا في تقليص ما بات يفصل كرة القدم في غرب أسيا بمنتخباتها العربية عن كرة القدم في شرق القارة، حيت خرجت حيتان كبيرة من رحم إستراتيجيات كروية عملاقة كانت من صنع فكر كروي أوروبي.
وقد كنت شاهدا على ثورة حدثت في منظومة الكرة الإماراتية، على قاعدتها تحديدا، وكان منطلقها نادي العين الذي أحدث في تسعينيات القرن الماضي طفرة نوعية على مستوى تنزيل ما يمكن وصفه بالإستراتيجية المتطابقة، عندما حولته رؤية حديثة أبدعها الشيخ محمد بن زايد وشقيقه هزاع بن زايد رئيس ونائب رئيس مجلس الشرف، إلى ورش مفتوح ينشد عقلنة التدبير وبناء المرتكزات الكروية والرياضية على قواعد سليمة وعلى أساس متين يقطع مع اقتصاد الريع وينظم النادي بمختلف فئاته على أساس فني متطابق، ومثلما أثمرت الرؤية نتائج مبهرة والعين يتوصل بكامل الجدارة لنيل لقب بطل أبطال أسيا سنة 2003، كأول ناد إماراتي يحظى بهذا الشرف، فإن ذات الرؤية سيتبناها الإتحاد الإماراتي لكرة القدم مؤثرا الإنطلاق من قاعدة الهرم، حيث أسس لجيل موهوب هيأ له كل ظروف العمل الإحترافي ليتمكن من الإرتقاء بشكل مثير للإعجاب محققا كل علامات التميز، وفي الوقت الذي جرت ترقية هذا الجيل بثوابته البشرية وبإطاره التقني وأيضا بفلسفة العمل التي إنطلق منها، أمكننا أن نقف عند منتخب إماراتي مكتمل الشخصية، نافذ المفعول، قوي الهوية التكتيكية ومكتسبا لثقة كبيرة في مقدراته الفنية الجماعية، ما مكنه من أن يصبح في ثالث سنة له في سلك الكبار ثالث أفضل منتخب أسيوي عطفا على برونزيته التي حققها في النسخة الأسيوية المنتهية بأستراليا.
في كرة القدم لا يوجد مستحيل، وفي كرة القدم لا نجاح يتحقق بالصدفة وفي كرة القدم أيضا لا تأتي البطولات من العدم، هناك منطق إشتغال لا بد وأن يحترم، هناك حاجة ماسة إلى رؤية ثاقبة وهناك حاجة عند الإيمان بسلامة المنهج أن يحضر كثير من الصبر، إلى حين أن تنضج الفكرة ويكتمل البناء، الصبر الذي لا يوجد فيه مكان لثقافة النتيجة الفورية ولا يوجد فيه مكان للإستعجال أيضا.
وإذا كنت موقنا من أن المنتخب الإماراتي سيواصل العمل الذي بدأه منذ ست سنوات، لطالما أن منتهاه هو أن يصل الأداء إلى الذروة وأن ينجح هذا الجيل الذي عاد من أستراليا حاملا البرونز الأسيوي في التأهل لكأس العالم بروسيا بعد ثلاث سنوات، فإن ما أنا متأكد منه هو أن هناك خلايا تعمل بتكتم شديد على تنزيل إستراتيجيات بديلة لإعطاء الفورة الإماراتية إستمراريتها في الزمان، فقد كنت شاهدا على ما تشهده الإمارات سنويا من حلقات التناظر والحوار على أكثر من صعيد، تنتظم في الزمان ويستقطب إليها خبراء عالميون يأتون برؤى ومقاربات وتجارب يتم إيداعها في بنك للمعلومات يتم اللجوء إليه كلما دعت الضرورة، وكلما احتاج العمل إلى ما يخرجه من الإنسداد وكلما كانت الحاجة لاستبدال مشروع بآخر لا يقطع مع ما سبق ولكن يحقق له الإستمرارية.
هناك حاجة لأن نعيد حساباتنا وقراءتنا لما يجري هناك في دول الخليج العربي التي يرتبط معها المغرب إقتصاديا وعسكريا باتفاقيات شراكة، هناك حاجة لأن نقلع عن إعتقاد خاطئ ساد تفكير البعض لزمن طويل ويقول بأن ما ينفع الكرة المغربية موجود في أوروبا وليس في قارة غيرها، وأنا لا أقول بأن الإستمرار في محاكاة أوروبا مضيعة للوقت وهدر للجهد وللزمن، ولكن أقول أن ما يحدث في دول عربية هناك في غرب القارة الأسيوية يستحق منا أن نتناوله بالنقد والتحليل والإستقراء العميق، فقد نجد فيه ما ينفعنا يوم ينسد الأفق.