الكأس لمن يستحقها
الخميس 20 نونبر 2014 - 21:48كما أنه النهائي الأقرب إلى المنطق بالنظر لما بذله كل من الفتح الرباطي والنهضة البركانية من جهد على طول الطريق المؤدية للحظة الحاسمة والتاريخية، وتميزا به عن كل الأندية التي تساقطت في كل الأدوار السابقة، فإنه أيضا النهائي الذي إنتصر للفريق الأكثر جاهزية على المستوى الذهني، فلن يقنعني أحد بأن الفتح فاز وتعملق واستحق القبض على كأس العرش السادسة في تاريخه، لأنه نجح تكتيكيا في تحضير الوصفة التي تعطي التفوق بكل أبعاده فقط، فالنجاح كان في مقام أول لوجود جاهزية نفسية طابقت لاعبي الفتح مع إمكاناتهم الفنية والبدنية، فجعلت أداءهم يتسم بالكثير من الإنسيابية ومن الأريحية، في مقابل ذلك تأثر لاعبو النهضة البركانية بحساسية ورهبة اللحظة فأتوا بأداء تكتيكي فردي وجماعي غريب عليهم، فتحطمت بذلك كل الصروح وتعرى الأسلوب وخاصم الفريق نفسه في زمن دقيق وفي لحظة مفصلية.
لم نكن بالتأكيد أمام نهائي بوصفة جمالية وبحبكة تكتيكية تمهد لحضور عنصر الجمالية في الأداء ليتطابق مع ما كان من إحتفالية في مدرجات الأمير مولاي عبد الله الذي أعيد فتحه بعد أشهر من العمل التحييني المضني، وما كنا نتوقع أن نكون أمام مباراة مفتوحة، بالنظر لحالة الرهبة التي تستبد باللاعبين في مثل هذه المباريات فتأسر لديهم روح المبادرة وتحجم لديهم القدرة على العزف الجميل، إلا أنني شخصيا ما كنت أظن أن يغتال الضغط النفسي الرهيب الواقع بلا أدنى رحمة على لاعبي النهضة البركانية وقد شعروا بأنهم أقرب من سلفهم إلى كأس العرش، كل القدرات الإبداعية التي قدم لاعبو النهضة صورا منها في مباريات عديدة خلال هذا الموسم سواء على مستوى البطولة الإحترافية أو على مستوى الكأس، ما كنت أظن أن يأتينا النهضة بأداء مناقض للطبيعة، أن يختفي وأن يبنى للمجهول.
ولأن للضغط النفسي تأثيرات مباشرة على الأداء وله أيضا تركيبة خاصة ومعقدة أحيانا، فقد كنت أتوقع من عبد الرحيم طاليب الذي يمتلك العديد من عناصر الخبرة أن يقف حيال هذا الضغط الذي غيب اللاعبين والأسلوب، ويفتكه من فريقه باللعب على ورقة المتغيرات التكتيكية، فقد كان النهضة البركانية بحاجة إلى من ينتشله من حالة اللاوعي، أو من حالة الإغماء التي دخلها وأبدا لم يخرج منها، وقد كان من تبعات هذا العجز المعلن عن رفع حالة الغيبوبة عن النهضة البركانية أن شاهدنا فريقا مختلفا، فريقا عاجزا عن الإتيان بأي ردة فعل، وطبعا كان لذلك وقع سلبي على المباراة النهائية التي لم نشاهد فيها سوى الفتح، وكلنا يعرف أن المباراة الجميلة هي دائما سجال بين فريقين جيدين.
ولا يستطيع أحد أن يخفف عن البركانيين ألمهم وحزنهم على ضياع فرصة التتويج لأول مرة بلقب كأس العرش، فما بدا لنا جميعا حقيقة وأصبح للأسف وهما وسرابا خلال المباراة، أن هذا الجيل الجديد الذي صنع ملحمة الوصول للمباراة النهائية لكأس العرش، وبصورة نالت الإعجاب، كان أقرب من جيل الثمانينات الذي بلغ لأول مرة المباراة النهائية وخسرها وكلنا يذكر ذلك، بحصة عريضة أمام الكوكب المراكشي، إلا أن الحافز النفسي عندما يتخطى حدوده في التأثير على ذهنية اللاعبين يتحول إلى صدمة تتسبب في فقدان الذاكرة وضياع الأسلوب.
بالقطع لن يكون ضياع كأس العرش بعد الوصول لثاني مرة إلى أبعد مدى نهاية العالم، فالصورة التي جاء بها اليوم النهضة البركانية إلى عالم المميزين في المشهد الكروي الوطني والتي هي نتاج لعمل في العمق، تلزم المكتب المسير للنهضة البركانية بتدبير حكيم لهذا الذي يوصف على أنه إخفاق، تدبير يجعل من السقوط على قوته، دافعا للإنطلاق من جديد لمواصلة مشوار البناء، فالنهضة البركانية موعود مع نهايات أخرى ومع مناسبات كروية قد ينال فيها ما يكافئ لديه الجهد والعمل، إن هو واصل العمل بما يؤمن على أنها ثوابت للنجاح لا يمكن التفريط فيها.
......................................................
هذه هي الكأس السادسة للفتح، الثانية له في السنوات الأربع الأخيرة، كأس نالها بقوة ما أظهره داخل الملعب من رباطة جأش وتطابق مع الذات وحسن تعامل مع المؤثرات النفسية التي تعرفها مباريات من هذا العيار، كأس نالها بتصريف جيد لعنصر الخبرة الذي يستطيع لوحده أن يخلص من وجع الضغط النفسي.
هي كأس تكافئ ما يوجد عليه فريق الفتح من تنظيم بنيوي وما يعمل على ضوئه من إستراتيجيات موصولة وما أصبح عليه من قوة مؤسساتية، ولكنها كأس تكافئ بعد النظر والحصانة المملوكة لصناع القرار، فإن كان الفتح قد نال لقبا إستحقه بقوة ما أبدعه في المشوار التصفوي الطويل والمتعب، بخاصة وأننا كنا هذا الموسم أمام صيغة جديدة لكأس العرش، فإنه كوفئ أيضا على أنه وثق بقدرات الإطار الشاب وليد الركراكي وأيقن بأن له القدرة على أن ينجح مرحلة حاسمة في زمن التجديد، في وقت قال البعض أن الإرتباط به فعل إنتحاري.
هنيئا للفتح بكأسها السادسة، هنيئا لها بما تقدمه من دلائل على أن العمل القاعدي المهيكل والإحترافي لا يقود إلا للنجاحات، وشكرا لها أنها أعطتنا وليد الركراكي الذي يستطيع مع الجيل الجديد من المدربين الشباب أن يغير تضاريس كرة القدم الوطنية ويفتحها على الخلق والمبادرة.