خلية أزمة
الجمعة 24 أكتوبر 2014 - 10:27من المفترض أن تكون أحداث الشغب التي رافقت مباراة الجيش والدفاع الحسني الجديدي بكل الصور التي جرى تصديرها إلى العالم في هذا التوقيت الحساس الذي يتحضر فيه المغرب لاستضافة النسخة 11 لكأس العالم للأندية والنسخة الثلاثين لكأس إفريقيا للأمم، قد إستنفرت كل القوى الساهرة على أمن وسلامة كرة القدم وتمثلت للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في صورة أزمة خطيرة تتطلب تشكيل خلية وفتح تحقيق ومباشرة رصد لكل التداعيات السلبية للوصول إلى قرارات بنفس درجة الخطورة التي جاءت بها هذه الأحداث، قرارات رادعة ما في ذلك أدنى شك، ولكن قرارات تعامل هذا الذي حدث على أنه ظاهرة متكررة في المشهد الكروي الوطني.
كانت المحصلة ستكون أكثر كارثية مما شاهدنا، مما يقول بضرورة التحرك السريع لرأب الصدع ولضرب جيوب الشغب وللوصول بالفعل إلى رصد كل الأشكال الغريبة التي يأتي بها هذا الشغب وما يحرض عليه أيضا، فنحن بحاجة إلى مقاربات كثيرة يتداخل فيها التربوي والتوعوي والسوسيولوجي والأخلاقي لنخترق الظاهرة ونجد لها حلا جذريا، لذلك قلت بأنه كان لزاما على الجامعة التي هي المخول لها قانونا إدارة لعبة كرة القدم أن تهب إلى تشكيل خلية أزمة لتبحث كل هذا الذي الحدث والذي هو إمتداد لأحداث شغب حصلت في السابق وكان معيبا أننا تعاملنا معها من زاوية واحدة، زاوية الزجر، والبحث بمعناه الواسع هو الوقوف على المسببات من دون تغليب سبب على الآخر، فقد نرى لفظاعة ما كان وما نقلته عدسات الكاميرات من صور صادمة أن ما حدث يستوجب المتابعة القانونية وهذا لا خلاف عليه لطالما أن هناك إعتداءا صريحا على رجال أمن عند تأديتهم لمهامهم، ويستوجب قرارات تأديبية تذهب إلى حد فرض الويكلو على مباريات الجيش الملكي وهذا أمر متوقع، ولكن هناك حاجة للمعالجة من زاوية أخرى وتتعلق بالطريقة التي تعامل بها اليوم كل الإلترات من قبل الأجهزة الأمنية، فهذه الإلترات ليست كلها بؤر للشغب وليست كلها محرضة على العنف وليست كلها قابلة للإشتعال في أي لحظة، بدليل أن ما أبدعته الإدارة العامة للأمن الوطني عند خلقها لخلية أمن الملاعب من مقاربات تشاركية مع الإلترات قائمة على الحوار ومؤسسة على الثقة المتبادلة، ساهم إلى حد بعيد في نزع فتيل الصدام والإختلاف وجنب الكثير من المباريات الحساسة نار الشغب التي كانت محدقة بها وهذا كله يقول بأن الإلترات محترمة للفلسفة التي قامت عليها، فلسفة مناصرة النادي بكل تاريخه ورموزه دون أدنى تبعية.
بالقطع لا أحد منا يمكن أن يبرر ما حدث في مباراة الجيش والدفاع الجديدي ويختلق للفظاعة التي شاهدنا مبررات، فما حدث موجب للعقاب لأنه خروج عن النص مهما كانت المبررات، ولكن لا بد وأن ننظر إلى بنياتنا الرياضية وما تعرفه من تشوهات لا تساعد أبدا على ضبط الأمن الذي يوازي ما تعاظم في ظاهرة الشغب حول كل ملاعب العالم، ولا بد أن ننظر إلى الإمكانات البشرية واللوجيستيكية المرصودة في كل ملاعبنا الوطنية بمواجهة الشغب فهي ضعيفة ولا تفي بالغرض بدليل ما شاهدناه في مباراة ملعب الفتح، ولا بد أن نأخذ بعين الإعتبار أن هناك للأسف إختراقات على مستوى الجماهير من خلال مندسين إما أنهم يخدمون أجندات بعينها وإما أنهم حاملون مرضيا لحاسة التخريب وإما أنهم مغيبون ومهلوسون.
لن يكون القضاء على الشغب بكل تفاصيله وتمظهراته في ملاعبنا الوطنية بالعقوبات الصارمة وبالغرامات المالية فقط، لكنه يكون أيضا بمقاربة الظاهرة من كافة أوجهها لأن ما نعيشه اليوم سيكون فاصلا بين تنويم الظاهرة وهذا ما نفعله حتى اليوم وبين القضاء الكامل على الظاهرة وهذا ما لم نفعله حتى الآن.
وعندما يحضر في إستراتيجية السيد فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ما أسماه بالمقاربة التشاركية في تدبير مرحلة التنزيل الكامل لمقومات الفكر الإحترافي، فإن من موجبات تحصين المشروع الإحترافي ضد كل أشكال الإنحراف، أن ينظر إلى حلقة ظلت للأسف مغيبة عن كل ما أسميناه في تاريخ كرة القدم الوطنية بالثورات التصحيحية والتقويمية، حلقة المتفرج الذي هو المستهلك الأول للمنتوج الكروي وهو أساس كل السياسات التسويقية والصانع الأول للإنجازات الكروية، فما رأينا يوما ضرورة إشراك هذا المتفرج برموزه وهيئاته في كل البرامج، نحصن اللاعبين بالعقود ونضمن لهم حدا أدنى من التكوين بمختلف أبعاده الرياضية والعلمية والبدنية ونربط أهلية المدربين ونصنفهم برخص يحصلون عليها بعد سنوات من التحصيل ونخضع الحكام لدورات تكوينية، واليوم نفكر في أن تكون للأندية قيادات عارفة بخبايا التدبير المقاولاتي والإحترافي، ولكن ما فكرنا يوما في أي مناصر وأي مشجع تريده الكرة الوطنية في هذا التوقيت بالذات ونحن نبذل للأمانة جهودا مضنية من أجل أن تكون لنا ملاعب من المستوى العالي.
إذا كانت لنا جميعا النية لكي نعطي للمغرب كرة قدم مستدامة بمقدورها لعب كل الأدوار الرياضية والتربوية والإجتماعية والإقتصادية خدمة لمشروعنا المجتمعي والتنموي، فلا حاجة أن نعامل كرة القدم بنظام الأسبقيات وبفكر الإقصاء، فالجماهير لا بد وأن تكون حاضرة في صلب كل المشاريع، بأن نحميها قدر المستطاع من حمى الشغب التي إن زادت عن حدها ووصلت إلى درجة الهلوسة خربت المشروع الإحترافي بكامله.
خلية الأزمة التي تحدثت عنها لا يمكن أن تنجح في عملها إلا إذا إستحضرت كل هذه العناصر المؤثرة والمغيبة لغاية الأسف.