قرار سيادي
الإثنين 13 أكتوبر 2014 - 17:47لم يكن بدافع التهريج ولا التشويش ولا الإثارة أن ننشر في عدد «المنتخب» الصادر يوم 14 غشت الماضي خبرا إنفراديا يقول بأن وباء «إيبولا» يهدد كأس إفريقيا للأمم 2015، فقد إرتكزنا في بناء الخبر وقتذاك على معطيات حصرية توصلنا بها، وتقول أن وزارة الصحة المغربية وجهت قطاعاتها إلى عملية إستباقية لرصد التطور الحاصل في انتشار الوباء، وإعداد توقعات مضبوطة تسمح في الأخير بضبط درجات الخطورة والمجازفة التي يمكن أن يكون عليها تنظيمنا لحدث كأس إفريقيا للأمم بكل ما يصحبه من تجمعات بشرية كبيرة قادمة بالأساس من القارة الإفريقية، بالنظر إلى أن المنتخبات الخمسة عشر التي ستعبر حاجز التصفيات ستكون في الغالب الأعم مدعومة من المئات من مناصريها.
وطبعا بعد معالجة دقيقة لكافة المعطيات التي تتحدث عن تصاعد مهول لعدد الوفيات في دول إفريقية ودول أخرى من قارات المعمور حتى أنها تجاوزت سقف 4000 حالة وفاة، وبعد الإستماع لكل محاذير منظمة الصحة العالمية وإعمالا للمبدإ الذي يؤمن به المغرب وهو وضع حياة البشر فوق كل إعتبار، فقد خرجت الحكومة المغربية من خلال وزارتي الصحة والشباب والرياضة ببلاغ يفيد بتقدم المغرب رسميا للإتحاد الإفريقي لكرة القدم بطلب تأجيل النسخة الثلاثين لكأس إفريقيا للأمم إلى حين التأكد من زاول كل عناصر التوجس والخوف من حصول كارثة إنسانية.
هو إذا قرار سيادي في مبناه السياسي وهو قرار إحترازي في مضمونه الإنساني، ومهما إختلفنا في رسم فجائية وصدمة القرار وما ستكون له من تداعيات، إلا أننا سنجزم بلغة الحكمة أن المغرب ثبت للتاريخ موقفا ينسجم مع تقاليده ومع عمقه الإنساني ومع واجباته الإجتماعية اتجاه القارة التي يضعها في صلب مشاريعه التنموية، وإذا كان الإتحاد الإفريقي مع ما سجله من تحفظات على طلب التأجيل قد أرجأ البحث في الطلب إلى غاية الثاني والثالث من نونبر عندما تجتمع لجنته التنفيذية وعندما تستمع لدفوعات المغرب، فإن ما يجب أن يوضع في مرتكز الحوار هو سلامة الرعايا والأمن الصحي للمغاربة ولكل من سيأتون من العالم أجمع لمواكبة المونديال الإفريقي إما مشاركين وإما مواكبين إعلاميا للحدث وإما مستمتعين بالمباريات، مع التأكيد على أن المغرب الذي بذل مجهودات كبيرة في تحيين ملاعبه ومرافقه الرياضية وبتجهيز كل مناطق الإيواء من أجل منح إفريقيا نسخة غير مسبوقة لكأس إفريقيا للأمم لا يبدي أي إستعداد للتنازل عن حقه كاملا في إحتضان النسخة الثلاثين للكان، من دون التضحية بأي عنصر من عناصر السلامة الصحية.
ومثلما أن المغرب المؤمن إيمانا قاطعا بطريقة اشتغال مؤسساته والرافض رفضا قاطعا للمساومة في أمن البشر لم يتوصل إلى قرار طلب التأجيل إلا بعد دراسة معمقة وموضوعية لكل المخاطر المحدقة، فإن الإتحاد الإفريقي لكرة القدم لا بد وأن يسلك ذات الطريق ويتعامل مع الطلب بما يلزم من إستباقية ومن تصنيف لدرجات الخطورة، حتى لا تتحول كأس إفريقيا إلى كارثة إنسانية وهي التي كانت على الدوام مصدر سعادة ومتعة واحتفالية لأبناء قارة إفريقية لا تفقدها الأوبئة والحروب والمجاعات الأمل في الحاضر والمستقبل.