مؤامرة ببيت الرجاء

قبل سنة من الآن سبق وأن حذرت من حكاية النوم في عسل «العالمي» الذي استلذه الرجاويون حتى صاروا يعتقدون أنهم حقا فريقا لا يقهر، وأن لاعبيه بالفعل نجوم لامست السماء وتتفوق على بقية بضاعة البطولة في السعر والقيمة.
بعد وصافة مونديال الأندية وقع الرجاء على إياب خرافي اكتسح من خلاله المنافسين، حرق المسافات ليلحق بالحمامة ويتجاوزها قبل أن يسقط النسور في مستنقع المسيرة بآسفي.
غير أن بموازاة مع العودة القوية للرجاء، كانت هناك الكثير من الأشياء والإشارات التي تحذر من سقوط وشيك وذريع حتى دون أن يؤمن المتنطعون على أن ما طار نسر وارتفع إلا كما طار وقع.
رحل البنزرتي بعدما جرد من ساعة «كارتيي» المهداة له بالمحمدية، وحين وقعوا له 3 أيام قبل ملحمة أكادير صوروا هذا المدرب الذي أكلته «الغمولية» بالمنستير على أنه ساحر هذا الزمان الذي يهش بالعصا ليحدث العجب العجاب.
سيقت حكايات كثيرة عن السقوط والخسارة بآسفي، وقيل أنه يشبه السقوط الذي حدث بالجديدة كي يرحل فاخر قبل مونديال الأندية، حيث الخسارة مرادفة لرحيل مدرب، وهو ما تكرر مع بن شيخة أمام العساكر، حيث بدا جنرال الكرة الجزائرية أقل رتبة من «كابورال» تائه ومغلوب على أمره أمام سطوة لاعبين تحولوا داخل الفريق لماريشالات يحكمون ويصدرون الفرامانات.
الشرخ الكبير الذي أحدثته خسارة الرجاء بالثلاثة من الجيش وبعدها ثلاثية الجديدة، حدث يرد علينا في كثير من المرات في عالم الكرة وليس سابقة، لكن الرائحة المنبعثة من مطبخ الفريق تتحدث عن حريق وبالدارجة «شياط» سيتم الكشف عن مسبباته قريبا، لأنه لو أمكن أي عاقل قياس سرعة التوقيع للثعلب  روماو وربطها وفتح باب المغادرة أمام مصراعي ثعلب «الفينيك» الجزائري، فإن الخلاصة ستقوده كي يوقن أن ما حدث كان مرتب له مع سبق إصرار وترصد وعلى أن استباق المصيبة والبلاء كانا مخطط لهما سلفا داخل كونغرس الفريق.
لا ألتفت كثيرا لجدية وقيمة سلعة مواقع التواصل، لكن هذه الخدمة تمثل في كثير من الأحيان مقدمة لفك طلاسيم وسفرات معقدة وألغاز كثيرة، ومنها ما تدوول قبل مباراة الجيش عن قدوم روماو وتواطؤ الطير وعدد من اللاعبين في سحب السجادة من تحت أقدام بن شيخة كما سحبوها بآسفي من تحت أقدام البنزرتي وكما أزاحوها قبل كل هؤلاء من تحت «كوارع» محمد فاخر.
أن يشن جمهور الرجاء هجوما عنيفا على عميد الفريق بنلمعلم ويكيلوا انتقادات جارحة ولاذعة للهاشيمي، ويطعنوا في ذمة من يسموا صقور النسور، أي قدماء محاربي الفريق، فهذا مؤشر على أن أهل مكة أدرى بشعابها، وهم أكثر الناس دراية بالتوابل والبهارات التي توضع بـ «طنجرة» الرجاء.
حالة التخمة التي أصبح عليها لاعبو الرجاء والإكراميات والكريمات التي عرفت طريقها لهم، والهواية المتوغلة في تفكيرهم، بعد أن أصبح سوادهم الأعظم إلا من رحم الله يشعرون حقا بالنجومية حتى ولو كانت مغشوشة وخادعة ومنفوخ فيها، وحالة التوهم التي تولدت لديهم من كونهم صاروا فوق البقية، هي التي تنتج اليوم كل هذا الخراب، والذي لا يعفي مسؤولي الفريق من المسؤولية ويضعهم أولا على محك المحاكمة والمكاشفة.
الذين يصدقون اليوم حكايات المؤامرة التي تطيح بمدربين كي يصمد هؤلاء الصقور، والذين يروجون لحكاية تواطؤ عدد من اللاعبين والذين يحمل بعضهم صفة الدولية، هو من يعرف حقيقة بنلمعلم وبقية الرفاق، وهم أنفسهم الذين هاجموا اللاعب قبل مباراة الجديدة وذكروه بسوابقه وفرضوا عليه أن يقسم بأغلظ الإيمان بكونه لن يلعب للرجاء ولو بكل مال الدنيا.
مع فاخر ربحت الرجاء كأسا للعرش وبلغت نهاية خسرتها بضربات الترجيح بعد أن فازت في كل لقاءاتها في طريقها للعاصمة الرباط، وفازت بدرع البطولة بعد أن حطمت كل الأرقام (أقوى تنقيط ودفاع وهجوم والأكثر انتصارا والأقل خسارة)، ولم يشفع كل هذا للرجل الذي أوصل النسور للعالمية كي يواصل انتصارا لمشروع، وليس ارتباطا بنتيجة مباراة أو خسارة نهائي.
اليوم تخرج الرجاء من دور الثمن كما خرجت قبل قدوم فاخر من نفس الدور أمام آسفي وأيت ملول، وبرحيل فاخر وصم البنزرتي وبعده بن شيخة لم تفز الرجاء كما وعدونا لا بلقب ولا هي بلغت محطة متقدمة مع كبار إفريقيا.
أكبر المؤامرات ليس التشكيك بذمة لاعب ليخسر فريقه فيرحل مدربه، أكبر المؤامرات هي أن يضيقوا الخناق على ابن الدار فاخر فيرحل ليخلوا المجال للعابثين بشؤونه ليلهوا بمصيره، وأكبر المؤامرات أن يلهث الفريق خلف كل سلع الميركاتو لحشر اللاعبين في سلته، وحين يفتش المدرب عن لاعب بشخصية العميد يلتفت يمينا وشمالا فلا يجد سوى بنلمعلم وفتاح؟