الناصري والسيرك الإعلامي
الثلاثاء 27 نونبر 2018 - 10:34ما أكثر النعوث التي ألصقوها بسعيد الناصري رئيس الوداد، وما أكثر ما ظلموه، وهم يرمونه بصفات إما أنها ليست فيه أصلا، وإما أن الذين ألبسوه إياها، بالغوا في المقاسات.
ليست لي نية، لأن أقيم هنا مرافعة للشخص الذي إلتقيته وجالسته وتواصلت معه عن بعد ووجدت أنه ما خرج يوما عن الإطار الذي يحكم تفكيره وعن الجغرافيا التي تطبع تضاريسه، فهو دائما متطابق مع منهج التفكير، يتصلب في الدفاع عن رؤيته، إذا ما شعر أنها ستقوده لتحقيق النجاحات، ويعترف بلا أدنى حرج أو مكابرة بأخطاء إرتكبها، هي من أصل الإشتغال في مجال تتداخل فيه المحددات العلمية والعاطفية والرياضية، فمن لا يخطئ لا يعمل أصلا ومن لا يملك قلبا من فولاذ لا يمكنه أن يسير فريقا بحجم الوداد، ومن لا يستفيد من أخطائه فليحفر لنفسه جحرا ويتوارى عن الأنظار.
وعندما تكون رئيسا لفريق بحجم ومرجعية وعالمية الوداد البيضاوي، فإنك مجبر أولا على أن تقلل وتقلص هامش الخطأ، حتى لا يلتهمك المتربصون ويضرب رأسك الجلادون، ثم إنك مطالب ثانيا بأن تصنع القرارات الصعبة بل والمؤلمة، وأنت ثالثا مرصود من طرف الجميع، لأنك الملهم والنموذج والمستأثر بالأضواء.
مر علي وعليكم، كتابات وتحاليل ترمي سعيد الناصري بتهمة الديكتاتور، أو تتهمه بأنه الآمر والناهي في معقل الوداد، هو من يرفع وينصب ويجر وغيره مبنيون للمجهول، أو تقدح كثيرا طريقته في التحلل من عقود يبرمها مع لاعبين ومدربين فيسبب لخزينة الوداد ورما كبيرا، أو تنعته بالجلوس في برجه العاجي لا يبدي استعدادا للمحاورة ولإبداء الرأي فيما يستجد على الوداد، وهناك من أجهز عليه بسبب التعنت الذي أظهره عند تدبيره لقضية المدرب الفرنسي روني جيرار.
وما تملكتني الدهشة، مما قرأت ومن كثير مما استمعت إليه، فقد كنت بفعل ما جمعني بسعيد الناصري من نقاشات عميقة في مختلف الفصول، محصنا ضد هذه الهلوسات التي يدسها البعض، ممن يصفهم هو بأعداء النجاح، وستتضح لكثيرين منكم الصورة، عندما ينتهون من قراءة الحوار القوي والصريح الذي أنجزه الزميل منعم بلمقدم، والذي تمثل جيدا طوارئ وإكراهات ومستحدثات المرحلة، فما ترك سؤالا إلا وطرحه على سعيد الناصري، وما ترك الناصري سؤالا إلا وقدم له إجابة هي من أصل تفكيره وتدبيره للأشياء، وبالعربي الفصيح، الرجل لا لوم عليه.
يحدث أن نرمي جزافا وبلا أدني تردد، مسؤولية أي شيء يحدث داخل نادي الوداد أو يقع للوداد على راس سعيد الناصري، لو ساء عشب مركب بنجلون فهو المسؤول، ولو تأخرت الحافلة في الوصول فهو المسؤول، ولو جنح مركب الوداد عن جادة الصواب واختنقت المباريات بدخان الهزائم فهو المسؤول، في جملة واحدة نريد من سعيد الناصري أن يكون مسؤولا عن كل سكنات وحركات الوداد، وفي الوقت نفسه نتهمه بأنه متحكم في كل شيء داخل الوداد، متحكم حتى في الأوكسجين الذي يتنفسه الوداد، فكيف نريده مسؤولا عن أشياء لا تقع تحت السيطرة، وإن كان ذلك لا يلغي إطلاقا أن الكثير من القرارات القوية داخل الوداد هي من صنع مكتب مسير برمته، ولكن من يبصم على هذه القرارات، ومن يخرج ليستقبل غارات النقد بسببها هو الناصري طبعا.
ولا أحد يمكن أن ينفي عن الناصري أنه سحب نفسه عن اقتناع لمركز القيادة بفريق الوداد، من دون أن يعرف أنه سحب معه ديونا ثقيلة لو لم يجد سبيلا لسدادها من دون أن يتسبب ذلك في اختلال للتوازن، لسقط من أول يوم على رأسه، ولكان الوداد إلى اليوم غارقا في مستنقع الأزمات المالية. والحقيقة أن الناصري آمن بما تلزمه به رئاسة الوداد، فنشر أجنحة الأمل والعمل ليتستر على المساحات المتصدعة، وسريعا سيتمكن من إذابة جليد الديون بلا كثير مزايدات أو تطبيل.
لا أدعي أن الناصري رئيس كامل الأوصاف، أو أنه مجرد ومنزه من الأخطاء، ولكنني على ثقة من أنه رجل يستحق الوداد والوداد تستحقه، يستحق الوداد لأن فيه بدرات من فكر كل المسيرين الكبار الذين صنعوا الزمن الجميل للوداد، وتستحقه الوداد لأنه الرجل العصي على الإنكسار والمتعفف عن الخروج من كل الردهات لإشهار سيرك إعلامي، والرجل القادر على صناعة القرارات الصعبة وحتى المؤلمة، حتى لو كان وحده من يصنعها.