أساطير وعصافير
الأربعاء 24 يناير 2018 - 13:05أين هي عروض دورتموند الألماني وبوردو ونيس الفرنسيين وباليرمو الإيطالي يا أشرف بنشرقي؟ وأين وصلت مفاوضاتك مع الوكلاء والمدراء الرياضيين لمختلف الأندية الأوروبية؟ وهل كنت تستحق كل ما أثير من زوبعات وأسيل من مِداد طيلة شهور من أجل موهبتك التي لا يناقشها أحد؟
جاء عرض الهلال السعودي الضخم والرسمي ليؤكد أن بنشرقي لن يخرج عن العادة، ولن يحترف على الأغلب في أوروبا كما قال وصرح، ويسير بقوة الإغراء نحو الإحتراف الخليجي، هناك حيث الملايير تنادي لتقبر الموهبة في بئر الدولارات.
هو نفس المسلسل الممل يتكرر منذ سنوات وموسميا مع أنجب وأمهر لاعبي البطولة الإحترافية، وذات السيناريو يُعاد بأبطال وشخصيات مغايرة، لكن بالحِبكة المعروفة والمشاهد المألوفة والجمهور عينه، وخصوصا النهاية المضحكة والمطابِقة للمثال القائل: «تمخض الجبل فأنجب فأرا».
لا يمكن إنكار أن هذا المسلسل يخرجه أساسا الوكلاء ومعهم الرأي العام وبعض الصحفيين المُسخرين لأغراض تجارية، لكن لا يُسمح للعقلاء والذين يفهمون ويعرفون خبايا الأمور ومرارة الواقع، أن يواصلوا تصديق البهتان وينتظروا سماع تعاقد هذا اللاعب المحلي المثير مع دورتموند أو بوردو أو نابولي، لأن ذلك أصبح جنونا إن لم يكن ثامن عجائب الدنيا.
هل سمعتم في العقد الأخير أن لاعبا من البطولة الوطنية إنتقل إلى فريق أوروبي كبير أو متوسط؟ هل ما زلتم تؤمنون أن لاعبينا لهم القدرة والأهلية للإحتراف في القارة العجوز من بوابة بطولة كبرى؟ أين إحترف «نجومنا» مراد باطنا ومحمد فوزير وعبد الغني معاوي ورضا الهجهوج ووليد أزارو وغيرهم؟ ألم يكونوا هم أيضا ضمن أجندة هذا الفريق الأشقر وذاك ومشاركين في مسلسل العروض الوهمية الأوروبية؟ وفي الأخير، أين ذهبوا؟ إلى الخليج أو بلدان عربية وجيران إختبئوا بين أحضانهم طلبا للجوء بعد تخبر الحلم والإصطدام بالواقع.
كفى يا زملاء ويا مدراء أندية ويا سماسرة من الكذب والتسويق الهاوي وإستبلاد الجمهور، كفى من نفخ ريش لاعبينا حتى يعتقدوا أنهم فعلا أبطال وعباقرة وبإمكانهم اللعب إلى جوار ميسي وليفاندوفسكي وإيكاردي، فالتحليق من المغرب مباشرة صوب الليغا أو البرمرليغ وحتى الليغ1 أصبح شبه مستحيل.
الأندية الأوروبية الصغيرة هي فقط من أمست تتسوق من البطولات المغاربية والإفريقية، وصفقاتها تكون على دراسات دقيقة ومخططات إستثمارية تروم إلى الربح وبيع اللاعب إلى فريق أكبر بعدها، وبالتالي فأجود ما لدينا قد يذهب إستثناءا إلى أضعف البطولات والفرق بالقارة العجوز، فيما العمالقة والعظماء يتسابقون ويتصارعون في ظل كؤوس العالم للفتيان والشباب والكبار، تاركين الفُتات لعشاقه.
بنشرقي الذي لقّبه بعض الحمقى بديبالا، سيذهب إلى الخليج وإن أصر الوداد على رفض عرض الهلال السعودي قد يحترف في أحسن الأحوال في فريق صغير بتركيا أو البرتغال، لأنه مقاسه المناسب دون زيادة أو نُقصان، بعيدا عن نفاق المديح المبالغ فيه والتطبيل لموهبة كبقية المواهب العديدة التي سبقته.
في السنوات الأخيرة لم يتجاوز عدد اللاعبين المحليين الذين تمسكوا بحلمهم الأوروبي رؤوس أصابع اليد الواحدة، وسعدان وأبرهون وبونو وحدهم من يمثلون حاليا البطولة الإحترافية في القارة العجوز، أما الآخرين فعادوا من حيث أتوا سريعا.
إذهب يا أشرف إلى الهلال وإربح مستقبلك ومستقبل عائلتك، أما ربح المشوار الإحترافي والتوقيع على مسيرة خالدة تدخلك التاريخ فهو أمر مستعصي عليك وعلى رفاقك حتى إشعار آخر، الإحتراف الأوروبي والأمجاد ذهبوا مع أسود الثمانينات والتسعينيات وبداية الألفية الثالثة، فالأساطير هم من إحترفوا وقت الشدة، في حين يعجز العصافير في زمن اللذة.