رقصة الأمل المذبوح
الثلاثاء 27 شتنبر 2016 - 10:58«البينة على من إدعى واليمين على من أنكر» هذه المقولة شهيرة لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وما إدعيناه من أن الوداد لا يمكن أن يكون قد شيع لمثوى الإقصاء لمجرد خسارته ببرج العرب، ما إدعيناه من أن هناك بصيصا من الأمل لا بد وأن نتعقبه في مباراة الرباط أمام الزمالك، قدم عليه البينة لاعبو الوداد وهم يوقعون على مباراة بطولية، صحيح أنها لم تنته إلى ما كنا نحلم به جميعا، بلوغ المباراة النهائية لعصبة الأبطال الإفريقية، إلا أنها إقتربت كثيرا من السيناريو المثالي، لقد كشفت هذه المباراة على أن بالوداد عمقا أسطوريا يظهر كلما كانت هناك حاجة لاسترداد هوية مفتقدة أو لمداواة كبرياء مجروح.
في نفس هذه الزاوية من العدد الماضي قلت ما أستسمحكم في العودة إليه..
«يبدو وكأننا سلمنا بأن الوداد وهو يخسر بتلك الرباعية المشؤومة هناك ببرج العرب بالأسكندرية، قد وضع تذكرة نهائي الأبطال كاملة في جيب الزمالك، وأن مباراة الإياب هنا بالمجمع الأميري مولاي عبد الله بالرباط، إن كان مستحيلا عليها أن تصعد بالوداد للنهائي التاريخي، فعلى الأقل ستداوي بعض الكبرياء المجروح وتنتصر قليلا للكرامة المهدرة.
لا أفهم لماذا يريدنا البعض أن نعدم أملا ما زال يتنفس، لماذا يريدنا هذا البعض أن ندفع لاعبي الوداد إلى مباراة الرباط لإكمال مشهد موت الحلم، مع أن لا الوداد في عرف كرة القدم أقصي ولا الزمالك تأهل، صحيح أن الفريق المصري الشقيق يحضر للرباط بمؤونة كبيرة ستقيه زمهرير الوداد هي عبارة عن أربعة أهداف كفارق، ولكن علمتنا كرة القدم عبر تاريخها العجائبي أن لا شيء مستحيل، فهناك 90 دقيقة مفتوحة على كثير من السيناريوهات.
وما يوقط فينا ذاك الأمل الواهن، هو أن الوداد لكي يسقط بالرباعية الملعونة قدم أسوأ صورة ممكنة عن نفسه، أبدا لم يكن الزمالك ذاك الفريق المرعب الذي يركع الخصوم، فمن جنى على نفسه ومن هزم نفسه بنفسه هو الوداد، والمؤكد لو أن الوداد تمكن عبر غسل الأدمغة وتنظيف الجيوب النفسية من كل الشوائب، لو أنه تعافى من أثر السقطة ووجه بالطريقة المثلى للتعامل مع مباراة الإياب، فإنه سيتمكن من رد الدين مهما بدا للبعض ثقيلا.
إن أي خطاب تكتيكي أو أي منظومة مقترحة، لا بد وأن تكون متمتعة بقدر كبير من البساطة لكي يسهل على اللاعبين التكيف معها وجعلها ذراعا واقيا لهم في مباراة تحتاج إلى كثير من الذكاء في تصريف الجهد البدني وفي تدبير الفصول وفي الإنتقال بين الردهات.
نهاية ليس هذا الذي يقبل عليها لاعبو الوداد يوم السبت القادم مستحيلا، إنه إختبار صريح لقدرتهم على قلب الأمور رأسا على عقب ولمدى نجاعتهم في صنع السيناريو الأمثل لجعل ليلة يوم السبت ليلة تاريخية، بل وأسطورية نحتفل فيها بالوداد وتحتفل فيها كرة القدم بالجانب الأنطولوجي الذي يميزها عن أي إبداع إنساني آخر».
بالقطع لم أكن في كل ما تعمدت إعادته أمامكم منجما ولا قارئ فنجان، ولكنني إنطلقت في ذلك من حقائق تاريخية ومن وقائع مشاهدة بالعين المجردة، فما كان حقيقة تاريخية دامغة هو أن كرة القدم لا تعترف بالمستحيل، وحتى الآن وبرغم الإقصاء فإنني أشدد على أن الوداد كان قريبا من التأهل، وإذا ما جاز القول بوجود مستحيل فإن لاعبي الوداد كانوا قريبين من قهر هذا المستحيل بشكل مثير للإعجاب، أما ما كان من وقائع فنية وتكتيكية، فقد دلتنا عليها مباراة برج العرب والتي قالت بكل لغات العالم أن من هزم الوداد هو الوداد وليس الزمالك مع تقديري الكامل لتاريخ وعراقة هذا النادي.
لقد كان متاحا توقع السيناريو المثالي الذي يقود الوداد للتقدم بالرباعية أو حتى بالخماسية إن إستقبلت مرماه هدفا، وهذا السيناريو المثالي الذي شاهدنا ملمحا منه يوم السبت الماضي، كان يحتاج كما قلت إلى لاعبين جرى تنظيف أذهنتهم وجرى تأهيلهم بدنيا وتكتيكيا لمعركة ضارية ستوظف فيها كل الأسلحة من إمتلاك للكرة وافتكاك لها وضرب الثقة لدى المنافس وربح الإلتحامات الهوائية وعلى الخصوص رفع درجات النجاعة في التعاطى مع كل الفرص التي ستسنح للاعبي الوداد.
وللأمانة شاهدنا هذا كله في مباراة يوم السبت التي ستثبت لأعوام في الذلكرة برغم أن نهايتها لم تكن سعيدة، شاهدنا توظيفا أكثر من رائع للاعبين من خلال نهج خططي لعب على نقاط التفوق الودادي، وأيضا على ما قلت أنه ضعف فاضح في منظومة لعب الزمالك، البطء الشديد لخط الوسط والضعف الكبير للأظهرة الدفاعية، ولربما كان لزاما على لاعبي الوداد عندما تقدموا بالثلاثة في توقيت أكثر من رائع، أن يطبقوا الشق الثاني من سيناريو كسر المستحيل، تهدئة اللعب وتحضير الوثبة الثانية على نار هادئة، حتى لا تترك المساحات التي منها إنطلق ستانلي وحضر لزميله فرصة توقيع الهدف الأول.
وبرغم أن الوداد تجاوز بشكل رائع هذا الخطأ الخططي الذي له ما يبرره، عندما وقع هدفا رابعا وخامسا وكان على بعد هدف من التأهل الأنطولوجي، إلا أنه سيعود مجددا للسقوط في نفس الإكراه ليتمكن نفس ستانلي من نفث السم وتعطيل السفر الأسطوري للفرسان الحمر.
تتملكنا الحسرة على أن الوداد فوت لسبب أو لآخر فرصة القبض على لقب قاري كان في المتناول، ولكن ما يهنأ عليه الوداد أنه قدم الدليل على بطولية لا بد وأن نجعلها ملهمة للقادم من الأسفار القارية.