بن صغير: عشت مأساة وأنا إبن 14 عاما
الأربعاء 18 دجنبر 2024 - 21:15في عينيه بريق يسافر بالموهبة بعيدا، لترتقي إلى مرتبة تكبر عمره بسنوات، وبين قدميه سحر يقدمه كواحد من فلتات العصر، إلياس بن صغير الأسد الصغير / الكبير، جوهرة الإمارة وأمير الإبداع في موناكو..
عندما تشاهده يلعب، أو بالأحرى يعزف، تقف معجبا ومندهشا ومستمتعا أيضا، فهو من صنف اللاعبين الذين يتمنى كل مستمتع بالكرة الجميلة أن يرى الكرة بين أقدامهم، وإلياس إن جاءته الكرة أعطاها حنانه وشغفه ونزقه أيضا..
وعندما تقرأ لإلياس بن صغير حوارا، يتملكك الإحساس أن الولد الذي يصل بالكاد لسن التاسعة عشرة، يتقمص دور الفيلسوف الذي يفلسف كل ما حوله، أو لنقل أنه يرى كل ما حوله بحكمة هي أكبر بكثير من عمره..
الأسد الأطلسي الفخور بمغربيته، والآمن المطمئن في عرينه، كان له حوار جميل بعدد الحروف الأبجدية مع مجلة «أونز مونديال»، ما كان لي بعد قراءته بإمعان أن أغض الطرف عنه، لذلك انتقيت منه فواصل، ستدركون بعد قراءتها أنها أشبه بمقاطع موسيقية عالية النغم والشجن..
تابعوا إذا هذا الحوار المقتطف.
< جنون الألعاب الأولمبية بباريس
الألعاب الأولمبية بباريس مع المنتخب المغربي لأقل من 23 سنة؟ كانت تجربة رائعة ولا تصدق، لا يمكن أن تتصوروا الدعم الذي تلقيانه من الشعب المغربي خلال هذه المسابقة، وعندما تجرى الألعاب الأولمبية بفرنسا ونكون بذلك التألق اللافت فهذا أيضا شيء لا يصدق، لم نكن نلعب ببلدنا لكننا نجحنا في الحصول على ميدالية، الميدالية البرونزية التي أدخلتنا إلى تاريخ كرة القدم الوطنية من أوسع الأبواب، فنحن أول جيل أعطى للكرة المغربية ميدالية في الألعاب الأولمبية، وهذا مصدر فخر كبير لنا.
صراحة لم أكن أنتظر ذلك الحماس واللهفة والمتابعة الكبيرة التي رافقت مشاركتنا في الألعاب الأولمبية.
عندما شاهدت المغاربة بحماس منقطع النظير وبجنون لا مثيل له في كأس العالم بقطر، قلت مع نفسي هذا شيء طبيعي، إنه المونديال، ولكن عندما ترى ذلك الدعم الجماهيري الرهيب في مسابقة مثل الألعاب الأولمبية، حدث معي لمرات كثيرة أنني لم أكن أصدق ما أشاهده، بعض اللاعبين الذين كانوا داخل الفريق الأولمبي لم يكن الجمهور الواسع يعرفهم، لكن برغم ذلك كانت أسماؤهم تتردد على كل لسان، شيء خرافي إنه يدفعنا لكي نكون الأفضل باستمرار.
< مأساة عشتها وأنا طفل
عرفت طفولة عادية، بل جد عادية، برغم أنني عشت حدثا تراجيديا، عندما كنت صغيرا (يتنهد) عشت حدثا لا أعتقد أنني الشاب الوحيد الذي عاش مثله، لقد فقدت والدي وأنا في سن الرابعة عشرة، هذه المأساة أعطتني قوة إضافية، هي ما مكني من الذهاب إلى الأمام، وإلى اليوم، أن أكون أنا.
لن أنسى أبدا المرات العديدة التي كان فيها والدي يذهب إلى عمله باكرا، حتى وإن كان لا يؤدى له راتبه، لكي يصحبني إلى التداريب، هذا أعطاني عقلية جيدة جدا، عرفت وقتها أن والداي يفعلا كل ما يستطيعانه من أجلي، ولم أكن أريد قطعا أن أخذلهما، أردت أن أذهب بعيدا وأن أصبح الشاب الذي يتمنونه.
< عصبة الأبطال.. النشيد الأوبرالي
عصبة الأبطال الأوروبية، اكتشفتها هذا الموسم، إنها حلم أصبح حقيقة.
كل العاشقين لكرة القدم الذين يشاهدون هذه المسابقة على شاشة التلفزة حلموا، بل ويحلمون بأن يشاركوا فيها.
الإستماع إلى موسيقى عصبة الأبطال عند دخولنا للملعب، شيء لا يوصف، اليوم وقد حققت هذا الحلم، يجب أن أفعل كل ما أستطيع لأن أبقى بداخله لمدة طويلة، ولذلك وجب أن أكون دائما في تطور مستمر، هذه هي سنة كرة القدم على المستوى الأوروبي، كل الناس يشاهدونك وهي المسابقة التي ينتظرها الجميع.
لذلك فعصبة الأبطال الأوروبية هي تحفيز إضافي لي، لقد هزمنا برشلونة وتلك ذكرى جميلة، بعد الفوز كل الناس أخرجوا لي الفيديو الذي يظهرني وأنا أستمتع في نيو كامب، لقد كانت لحظة جميلة كما كان الفوز تاريخيا، لقد أعطى ذلك للاعبين دفعة معنوية قوية.
لقد أظهر فوزنا على برشلونة أنه بإمكاننا أن نصنع شيئا جميلا في هذه المسابقة، برغم أن الطريق صعب وطويل في هذه النسخة بالذات.
الإستماع لمسابقة الأبطال يذكرني بالأيام التي كنت أسرع فيها الخطى للوصول إلى البيت والجلوس أمام شاشة التلفزيون لأغني معهم ولأضع يدي على صدري كما لو أنني كنت داخل الملعب، قبل أي مباراة أفكر في كل هذه الأشياء لأقول بأنني حققت حلما لا يمكن قطعا أن ينتهي.
< أمي قطعة من روحي
والدتي كانت خادمة بيوت، بعد ذلك انقطعت عن العمل بسبب مشاكل صحية، لكنها ظلت دائما إلى جانب أخي وإلى جانبي، بخاصة عندما فقدنا والدنا، فقد كانت لحظة صعبة، لقد عرفت أن حجم المسؤولية سيكبر وقتها، لذلك حرصت على مرافقتنا، خالتي لعبت بدورها دورا كبيرا في تنشئتنا.
عندما توفي والدي بجلطة دماغية وعمري آنذاك 14 سنة عرفته يشتغل في الأوراش، كان بناءا، كنت قريبا جدا منه، لذلك شكل رحيله عنا صدمة كبيرة لي، لكن إيماني الكبير بالله خفف من وطأة هذه الصدمة، عرفت أنه القدر ولا بد من أن نتحمله ونمضي قدما إلى الأمام، كان ذلك هو خياري الأمثل، أتصور ما مدى السعادة التي كان سيستشعرها لو شاهدني رحمة الله عليه أحمل قميص المنتخب المغربي، هذا أكثر شيء يؤلمني كلما حملت قميص أسود الأطلس، أن لا يكون على قيد الحياة ليشاهدني وأنا أوقع عقدا احترافيا مع موناكو وأنا أيضا أحمل قميص بلدي الذي كان دائما مصدر فخر له، فقد كان عاشقا لكرة القدم.
ما أحققه اليوم مع موناكو وما يحققه أخي سليم الذي كان في السابق لاعبا لنادي نيس، هو مصدر سعادة والدتي التي تشعر أنها حصلت على أجمل مكافأة.
< الكرة مصدر سعادتي
لو كنت صحفيا؟ أي سؤال أطرحه على إلياس بن صغير؟ سأسأله «لماذا لا تتخلص سريعا من الكرة، لماذا تحتفظ بها كثيرا؟»، سأطرح هذا السؤال لأن الكثيرين يلومونني على ذلك، لكنني سأجيب «أشعر بأنني بأفضل حال كلما كانت الكرة بين قدمي، لا أن تكون بعيدة عني، وأنني مجبر على الجري كثيرا لأحصل عليها» (ضاحكا).
أعرف جيدا أن اللعب من دون كرة مهم للغاية، وأتصور أنني تطورت كثيرا في هذا الجانب، المدربون يطلبون مني مضاعفة النداء على الكرة، وهم على حق.
أفضل أن تكون الكرة بين قدمي ولكن يجب أن نتأقلم، بعض المباريات تطلب منا الكثير من العمق، لذلك أحاول دائما أن أحصل عليها، إضافة لذلك لدي خاصية السرعة والبعض يمتعض عندما لا أذهب في العمق.
أما عن الخاصيات التقنية التي أتمتع بها، فقد جاءت من لعب كرة القدم في الحي.
عندما تلعب كرة القدم في الحي الكرة تأخذ اتجاهات غريبة مع الأرضية والمساحات ضيقة جدا، ويجب أن تعرف بسرعة ما الذي عليك فعله بالكرة، لديك أقل وقت وأقل مساحة لكي تنجز مهاراتك التقنية بخاصة في المراوغة، عليك أن تمحو منافسك لتمر إن لم تفعل فلن تمر أبدا.
هذه الأشياء كلها ساعدتني على تطوير ملكات إقصاء المنافسين، عندما أكون محاصرا تفيدني هذه الخاصية في الخروج من سجن الرقابة.