حكيمي نزع القيود
الجمعة 22 شتنبر 2023 - 16:28شغلنا أشرف حكيمي بموسميه الأخيرين مع باريس سان جيرمان، فمن تصورنا أنه سينعم بجمال الحديقة ليحلق كما يشاء في دنيا الإبداع، رأيناه منقبضا بل وحزينا لوجود الكثير مما يعطل محركاته ويبطل سحره ويكبل جناحيه، وأبدا لم تكن النسخة الباريسية إلى حدود نهاية الموسم الماضي هي الأفضل لأشرف حكيمي، الذي ترك الناس كلهم مذهولين بعروضه الرائعة مع الفريق الوطني في المونديال الأخير بقطر.
كنت شخصيا وقد تصاعدت وثيرة الراحلين من حديقة الأمراء، أفضل أن يحلق حكيمي بعيدا عن باريس، فعاصمة الأنوار التي ظن أنها ستعطيه الضوء، ظلمت الأفق في عينيه، وقد كنا نحصي حجم العتاب الذي يأتيه تارة من مدربه السابق أو من الإعلام الفرنسي الذي لا يتوانى في نسف كل لاعب يمشى في ظله.
وكان لابد أن نفهم، أن أشرف حكيمي أدخل إلى سجن لا يستطيع لا العيش ولا التنفس فيه، فما حدده له المدرب السابق، من مهام لا يخرج أفضل ما لديه، على العكس من ذلك إنه يصادر ملكاته، وما قرر حكيمي عدم الإنتباه للكم الهائل من الشائعات وحتى «الشوشرة» التي راجت من حوله، مع نهاية الموسم بحلول الميركاطو الصيفي، إلا لأن جلسة جمعته بالمدرب الإسباني لويس إنريكي، فتعرف على مشروعه، واطمأن قلبه أخيرا، إلى مساحات الإبداع المكفولة له في النهج التكتيكي للويس إنريكي، الذي ينتمي للمدرسة الحديثة في التدريب، والتي تسعى لكي تفجر ما يوجد لدى أي لاعب من طاقات.
وقد كان حكيمي مباشرا في التعبير عن هذا الإنخراط الجميل مع مشروع اللعب الذي أتى به لويس إنريكي، عندما قال أن لويس ينيط به مهمة ثلاثية الأبعاد، دفاعية وهجومية وضابطة للإيقاع ومحددة للكثافة، وقد شاهدنا ذلك مجسدا خلال مباراة باريس سان جيرمان أمام دورتموند في افتتاح دور مجموعات عصبة الأبطال، إذ سيقترن أفضل أداء لأشرف حكيمي مع تقديم الفريق الباريسي لأفضل نسخة له، ونفهم من ذلك ضلوع حكيمي في الخصوبة الهجومية للفريق الباريسي، كما قال لويس إنريكي متحدثا عن الأسد حكيمي «إنه يعطينا طاقة فريدة، تتعدد أدواره وكلما كان في صلب مشروع هجمة إلا وأعطاه زخما رائعا».
وهنا يكمن الفرق بين المدرب الفرنسي كريستوف غالتيي والمدرب لويس إنريكي، بل سنتعرف هنا على قدر الثقة التي يقدمها أي مدرب للاعبيه، فإن كان هناك مدربون يشبهون الكيميائيين في تحويل الجمرة إلى تمرة، هناك للأسف مدربون يرمون التمرة في الحفرة.
وعندما تنقب الصحافة الفرنسية في قاموسها عن المفردة التي تليق بالمباراة الجميلة لأشرف حكيمي، وتتحدث عن «جوهرة مضيئة» وعن «لؤلؤة مشعة»، فإنها تدرك حجم الظلم الذي أصابت به أشرف حكيمي لمرات عديدة، وهي تحاسبه على أداء فردي وجماعي يؤديه الرجل على عهد غالتيي، برجلين مكبلتين وبفكر معطل وخيال مقصوص.
ويحيلني هذا الذي يحدث مع حكيمي، للذي يحدث اليوم مع الدولي المغربي عز الدين أوناحي الذي لا يكاد يسمع له صوت بأولمبيك مارسيليا مع المدرب المبعد مارسيلينو، مع أن لويس إنريكي الذي حرر اليوم حكيمي من قيوده، هو الذي قال عن أوناحي والفريق الوطني يجهز على المنتخب الإسباني في مونديال قطر، «لا أظنكم قد انتبهتم لرقم 8، (لم يكن يعرف وقتها إسمه، والمقصود هنا هو أوناحي)، لا أعرف من أين خرج هذا الفتى، لقد حرث الملعب طولا وعرضا»، وأنا واثق من أن عز الدين أوناحي لو كان لاعبا لباريس سان جيرمان لكان له شأن آخر.
هذا الذي تحكي عنه قصة حكيمي وحتى قصة أوناحي، يحيل في واقع الأمر على عشرات القصص الدرامية للاعبين وأدهم مدربون بسبق جهل وتنطع، ومثلها قصص للاعبين حالفهم الحظ بأن صادفوا مدربين كيميائيين وفلاسفة، فدلوهم على النعيم، بعد أن عاشوا ردحا من الزمن في الجحيم.