التسامح في درجة الصفر
الثلاثاء 01 غشت 2023 - 14:32قلت مرة وأنا أرقب حزينا مشهد نسف البروتوكول الإحترافي، لغاية في نفوس من يخافون أن يتقوض الصرح، ويفضلون معاملة الأندية باللينة، أن الإطالة في هذه الليونة إلى أن تنضج الأندية وتعي خطورة اللعب على حبل الهواية في مضمار الإحتراف، سيورث حالات لا متناهية من التسيب، وسيبطل لغاية الأسف البرهان الذي يجب أن نقيمه على أن احترافنا لم يخرج من الخيمة مائلا.
عشنا حالات كثيرة من الإهتراء والتلاعب بالأنظمة والرقص على الحبلين، ولم تجن الأندية من ذلك إلا الخراب، ومنها من حكم على نفسه بالإنسحاق في غياهب الأقسام السفلي لأنه حوصر بديون ثقيلة جدا لا قبل له بها، وكنا للأسف بين منزلتين، بين غرفة نزاعات الإتحاد الدولي التي تلزم بالأداء الفوري إن استوفى الحكم كل المساطر، وبين غرفة نزاعات الجامعة التي تغض الطرف حينا وتظهر العين الحمراء حينا آخر، وتلك وضعية لا يمكن القبول بها، فالإحتراف إما أن يؤخذ كاملا أو أن يترك كاملا.
وعت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وجبال الملفات المتنازع من خلالها على عقود أبرمت ولم يتم الإلتزام بها أو عقود نقضت أو فسخت من جانب واحد، ولم يعد كافيا أن تحرم الجامعة الأندية المحكومة بالسداد الفوري لمؤخر العقود أو لأحكام تم كسرها وفسخها من جانب واحد، من منحها السنوية، لأن قيمة ما تراكم من ديون يفرض حرمان الأندية من منحة الجامعة لخمس سنوات أو يزيد، وعت الجامعة بخطورة الوضع وباستفحال ظاهرة الإستخفاف بشرعية العقود، فلجأت إلى خيار التصعيد، وكان الحل الأقرب للواقع هو منع كل ناد له ملفات متنازع عليها ولم تتم تصفيتها، من إبرام التعاقدات، لأن ذلك يعني ببساطة أن هذا الفريق غير قادر بماليته المديونة على أن يبرم عقودا إحترافية.
وكمدخل لإعمال الصرامة في معاملة الخروقات المالية للأندية والتي سجلت منها لجنة متابعة وتدقيق مالية الأندية الشيء الكثير، إضافة للعدد المهول من ملفات النزاعات، فإن العصبة الوطنية لكرة القدم الإحترافية أصدرت الأربعاء الماضي، بلاغا كشفت فيه عن قائمة بأسماء الأندية الممنوعة من إبرام التعاقدات هذا الصيف، لأن لها نزاعات مالية لم يجر تصفيتها، وعددها 20 ناديا، 9 منها ينتمون للبطولة الإحترافية الأولى.
20 من أصل 32 ناديا في وضعيات مالية متحفظ عليها ولا تسمح أبدا بإنجاز أي انتداب، وهو رقم مهول لأنه يمثل 75 بالمائة من أندية القسمين الأول والثاني، وغير هذا نسمع عن كثير من الأندية الموجودة في لائحة المنع التي جرى التشهير بها، تبرم صفقات وتوقع على عقود، صحيح أنها لا توثق داخل الجامعة لوجود عارض الحظر، ولكن ألا يمثل ذلك خطرا حقيقيا على اللاعبين وعلى النوادي على حد سواء؟
من حق العصبة الوطنية لكرة القدم الإحترافية أن تنبه إلى أنها لا تتحمل أي مسؤولية ولا تبعات في إبرام لاعبين ومؤطرين لعقود مع أندية ممنوعة من الإنتدابات، ومن حق اللاعبين أن ينبهوا وكلاءهم من مغبة استدراجهم ليكونوا بوضعيات غير مطمئنة ولا آمنة، ولعلنا نشهد على ما حصل مع لاعبين خلال الموسم الماضي، تعاقدوا مع أندية مديونة، لم يجر التصديق على عقودهم في الجامعة ولم يمنحوا رخصا للعب، فكان من نتيجة ذلك أن دخلوا لأشهر في عطالة بئيسة ومحبطة.
ستكون الجامعة والعصبة الإحترافية ولجنة مراقبة تدبير الأندية على وجه الخصوص، قد حققت انتصارا كبيرا، لو نجحوا جميعهم في تقويم هذا الخلل الفظيع، وشاهدنا عدد الأندية المحظورة من الإنتدابات يتناقص، بخاصة وأن المرحلة التي نستشرفها عاجلا وليس آجلا، هي إدماج التغطية الإجتماعية للاعبين والمؤطرين داخل الترسانة القانونية، وهو إجراء سيزيد من فكر المقاولة في تدبير الشأن الكروي الوطني.
لقد وصل التسامح والليونة لدرجة الصفر..