التحكيم.. صرح يتهاوى
الثلاثاء 21 مارس 2023 - 22:11كل ما يرسله حكامنا عند إدراتهم لمباريات البطولة الإحترافية من إشارات سلبية، لابد وأن يكون مصدر قلق لنا جميعا، فالأخطاء التي ترتكب كل أسبوع ويتسبب كثير منها في الهيجان والإحتقان، حتى لو تحللت تلك الأخطاء من القصدية، تقول بصريح العبارة أن الوضع بات سيئا وخطيرا ويحتاج لتدخل سريع، حتى لو اقتضى الأمر وجود قرارات مؤلمة.
حاولنا بغرض تفادي الوقوع في الفتنة وعدم إصابة الحكام بظلم كبير، أن نتجاوز على أخطاء ارتكبت في هذه المباراة أو تلك، وألا نحرق المشهد التحكيمي بفتيل الشك والإرتياب، ظنا منا أن التحكيم دخل في انعطافة قوية، وأن هناك جيلا من الحكام الشباب يجري تمرينهم، وأن من واجبنا كأندية وكجماهير وكإعلام أن نرأف بهؤلاء ونمكنهم من بيئة نظيفة لا تشويش فيها، لعلهم يكتسبون الخبرة والتجربة ويتزودون بما يرتفع بهم عند إدارة المباريات فوق كل المثبطات، إلا أنه عندما يصبح الخطأ فعلا مكررا، يرفع من حدة الغضب ويهدم عملا كبيرا رصدت له إمكانات مادية ولوجيستية غير مسبوقة، حينها يجب التحرك لتطويق الفعل السلبي ومحاصرة الأزمة حتى لا تصبح فتيلا للفتنة.
لا أذكر أن مكتبا جامعيا ولا رئيسا تقلد قديما وحديثا مهام قيادة جامعة كرة القدم، لم يجعل من التحكيم ورشا حيويا واستراتيجيا في منظومة الإشتغال، لذلك كانت اللجنة المركزية للتحكيم لعقود طويلة من الزمن هي أخطر وأصعب اللجان المركزية، يوضع على رأسها رجال نافذون بقوة الشخصية وبوفرة التراكمات، وترصد لها من الإمكانيات ما يساعدها على إعطاء الكرة المغربية حكاما عادلين يبرزون عند إدارة المباريات بقوة الشخصية وبالإلمام الكامل للقانون وبالمهارة في تدبير اللحظات الصعبة في أعتى وأقسى الظروف، أقصد ظروف الممارسة.
وما خص به رئيس الجامعة الحالي فوزي لقجع التحكيم من أهمية بالغة، سار في هذا المنحى الذي تحدثت عنه، فما ترك وسيلة لخدمة التحكيم إلا ووفرها وما اقترح عليه من مقاربات لإعطاء التحكيم الإستقلالية المراقبة في تدبير شؤونه بالعودة لرجال الإختصاص إلا واستجاب لها بلا تردد، وكيف لا يكون قد فعل، وهو الذي جعل للتحكيم مديرية قائمة بذاتها، وهو الذي جعل المغرب ينفرد بين دول القارة بأن كان أول من أدخل تقنية الفيديو «الڤار».
كيف لا يكون متفردا في إيلاء التحكيم الأهمية التي يستحق، وهو جهاز ضامن للعدالة وللحقوق، وقد حمى الحكام بأن توعد بأشد العقوبات من يتحرش بهم أو يتطاول عليهم، بل إنه من باب إقرار الشفافية، دعا مديرية التحكيم إلى تنظيم لقاءات مفتوحة أمام الإعلام والرأي العام لشرح قرارات الحكام المثيرة للجدل، بل وإلى فضح الأخطاء المرتكبة، في عمل تحسيسي وتوعوي في مقام أول.
المؤسف أن التحكيم المغربي وهو يتمتع بكل هذه الحظوات، من حماية وحفظ للكرامة ووسائل تكنولوجية مساعدة على العمل، ما أسكت أصوات الإحتجاج، وما برأ نفسه من التهم وما أعطانا حكاما من المستويات العالية، بدليل أن حكامنا ما تواجدوا في كأس العالم الأخيرة إلا في عربات الڤار، بل إن عددهم أصبح يتضاءل في المشهد الكروي الإفريقي، وتلك إشارات دالة على أن هناك أزمة تتعلق بجودة الحكام، ومن يتحدث عن حكام ليسوا بالجودة التي تؤهلهم لإدارة مباريات عالية الحساسية، يتحدث عن فشل منظومة إدارة القطاع وأيضا عن فشل في منظومة التكوين، وفي الحالتين معا ستكون هناك حاجة لأن تتحرك الجامعة في اتجاه إيجاد الحلول في الأمدين القريب والمتوسط، لإعطاء كرة القدم الوطنية الجهاز التحكيمي الذي يساير الإيقاع السريع الذي يسير به العمل في كل الأوراش الحيوية المتصلة اتصالا وثيقا بمنظومة كرة القدم.
بعض من هذه الحلول، جاء بها الاجتماع الذي عقده لمكتب المديري لجامعة كرة القدم، فما غدا ممكنا إطالة الوقوف عند صرح تحكيمي يتهاوى بفعل فقدان الثقة.