طارق الرجل الحاذق
الثلاثاء 09 مارس 2021 - 13:33
من كل الذي شاهدناه بأم العين، كان الإنفصال بين طارق السكتيوي والنهضة البركانية الأقل إيلاما والأقل نثرا لغبار التلاسنات والأقل استباحة للقيم الكروية في مشهد الإنفصالات بالتراضي.
كأي شوكة تسل بذكاء من الجسم من دون أن يتعفن، ومن دون حاجة لنشر قصائد العتاب والتقديح والتعليل، ومن دون اللجوء لحائط المبكي، أشهر الإطار الشاب طارق السكتيوي إستقالته من منصبه كربان تقني للنهضة البركانية، بمجرد أن انتهت مباراة فريقه أمام الجيش الملكي بخسارته على أرضه بهدفين لهدف، الخسارة التي تأتي بعد الخروج الدراماتيكي من كأس العرش أمام المغرب الفاسي، لتضعنا أمام حقيقة أن هناك عطبا وقع في محركات المركبة، وأن لا أمل في استصلاحه بمنظوره التقني.
ولو أن ما تعلمه طارق السكتيوي من معلميه ومن مجايليه ومن فنون التصريح، كان يلزمه بأن يأخذ كامل وقته لكي يصل إلى قرار في قوة وأهمية قرار الإستقالة ويبتعد عن الصناعة المستعجلة والساخنة للقرارات الصعبة، فإن طارق السكتيوي عمد بنفسه إلى كتابة نهاية الحكاية مع النهضة البركانية، وقد قدم بعد ذلك بنحو ثلاث ساعات، مبرراته الموضوعية لأعضاء المكتب المديري للنهضة البركانية في أجواء من التداول الحضاري، ليكون القرار الجماعي هو الإنفصال بالتراضي، فعندما يقف أي مدرب أمام حالة من الإستعصاء الشديد الذي لا يفهم له طبيعة ولا يستطيع إيجاد حل له، فإنه يكون من الأفضل له ومن باب حقن المشاعر، أن يدل نفسه على بوابة الخروج، تاركا وراءه انطباعات جميلة، واحتراما مطلقا من أصحاب الشأن.
لطارق السكتيوي أن يفخر بما أنجزه مع النهضة البركانية، فلا أحد على الإطلاق سيمحو إسمه من ذاكرة فارس البرتقال كأول مدرب أعطاه لقبا إفريقيا، مثلما كان منير الجعواني أول من أهداه لقب كأس العرش، ولطارق الحق في أن يعتز بما أنجزه منذ أن دخل مجال التأطير التقني بعد مساره الرائع كلاعب سما في سماء البطولات الأوروبية، بما حققه مع فريقه الأم المغرب الفاسي، وبما أنجزه بالمغرب التطواني، وبما رسخه في تاريخ النهضة البركانية، وقبل هذا وذاك بمساهمته في بناء جيل جديد للكرة المغربية بأكاديمية محمد السادس عندما افتتح المشوار بالعمل ضمن ترسانة التقنيين والمكونين.
في وقت يرتفع فيه غبار كثيف، وتخرج السيوف من أغمادها وتلوث الفضاء سحب من التلاسنات، عند خروج هذا المدرب أو ذاك من هذا الفريق أو ذاك، آثر طارق السكتيوي أن يرفع بأدب جم الراية البيضاء، وأن يضع بكل شجاعة السطر الأخير في حكايته مع النهضة البركانية، من دون حاجة لاختلاق التصادم ومن دون حاجة لإثارة نظرية المؤامرة أو حتى الظهور بمظهر المجني عليه، ولا شيء مما شاهدناه في مسيره مع النهضة البركانية يقول بأنه فشل، أو بأنه مشروع مدرب فاشل، كما تسقط الأحكام المتجنية والظالمة على من غدرت به النتائج، على العكس من ذلك، طارق السكتيوي نجح في أن يكون مدربا لفريق يحلم به كل المدربين، ونجح في الدخول بشموخ لتاريخ النهضة البركانية، ونجح في إعطاء الفريق شخصية قوية هي من وحي ما تشبع به في ممارسته لكرة القدم وفي نهله من معين المدربين الكبار الذين عمل تحت إمرتهم، ونجح أخيرا في إشهار الرحيل في الوقت المناسب، حتى لا يقايض بمبادئه وعلمه وكبريائه وفلسفة عمله، كما أتى شامخا فسيرحل شامخا.
من اليوم، وقد وضع طارق السكتيوي من على ظهره مسؤولية ثقيلة، سيكون ممكنا في كل الخلوات أن يعيد طارق قراءة المشهد البركاني بكل تفاصيله، ليقف خصوصا عند حالات الإحتباس التقني والتكتيكي ومسبباته، لكي تكون له التجربة البركانية قاعدة لتحقيق أكبر مناعة ممكنة، فما سيستخلص من دروس تقنية وإنسانية وتواصلية، سيكون هو الزاد الحقيقي للإقبال في القادم من أيام على تجارب أخرى أكثر ثراء وغنى وتحقيقا للطموحات.