قضية الحدادي ومصداقية المغرب
الثلاثاء 02 فبراير 2021 - 12:20عندما أصدر الإتحاد الدولي لكرة القدم قراره بعدم السماح لمنير الحدادي بالتواجد في وديتي الفريق الوطني أمام السينغال وجمورية الكونغو شهر أكتوبر الماضي، تنفيذا لحكم صدر من لجنة اللاعب يقول بعدم تطابق حالة منير الحدادي مع «التحيينات» التي ألحقتها الفيفا بقانون تغيير الجنسية الرياضية بعد التصديق عليها من الجمعية العمومية، قدرت ومنير الحدادي يغادر حزينا وملتاعا معسكر الفريق الوطني، ما أحدثه القرار من ألم تنوء بحمله الجبال.
لم أجنح وقتذاك لما سار فيه من يتفنون في بيع اليأس وإشاعة الفكر العدمي في التعامل مع هكذا حالات، فمن تحدث عن صفعة تلقتها الجامعة من الفيفا، ومن قال بأن الجري وراء وهم كبير لا يليق بلاعب خان وطنه وقد قرر بسابق حماس اللعب لمنتخب لاروخا الإسباني، ومن قال بأن منير الحدادي لن تكون له إضافة نوعية للفريق الوطني، فلماذا نطيل البكاء على صرح حلم تهاوى؟
وحتى عندما قررت الجامعة استئناف القرار الصادر عن لجنة اللاعب داخل الفيفا لدى محكمة التحكيم الرياضي، وبعد تأييد الأخيرة للقرار الأول لاستحالة وجود تكييف قانوني للنص، تنطع ذات تجار اليأس وصدروا للرأي العام الوطني نعيا فيه الكثير من التهكم والتشفي، والحقيقة أنه مع اشتداد الوجع وتجهم المشهد وتصاعد أتربة الشك، كان هناك رجل واحد يجلس هادئا فوق هضبة الأمل، يؤمن بأن هناك شعاع ضوء ينبعث ولن تتركه الجامعة يضيع وسط ضباب المرحلة، ذاك الرجل هو رئيس الجامعة فوزي لقجع الذي حاورته حصريا قبل شهرين، وعندما أترث معه القرار الصادر عن الفيفا والمؤيد من طرف محكمة التحكيم الرياضي، والقاضي بعدم استجابة حالة منير الحدادي للمنصوص عليه في قانون تغيير الجنسية الرياضية المحين، وجدته يبتسم ويرد بكل هدوء: «من قال أن ملف منير الحدادي طويناه؟ لقد أعدنا فتحه لاقتناعنا بأن هناك عدالة رياضية وحق لن يضيع ما دام وراءه طالب، وأنا أقول للمغاربة من خلالكم، منير الحدادي سيلعب للفريق الوطني وخلال شهر مارس موعد المباراتين أمام موريتانيا وبوروندي، سيتواجد بداخل عرين الأسود».
كان للجامعة وتحديدا لفوزي لقجع، القناعة الكاملة بأن النص القانوني المحين يحتمل قراءات أخرى، لذلك تمت مراسلة الفيفا للكشف عن الزوايا التي لم ينظر من خلالها لملف منير الحدادي، لقد فعلت الجامعة ذلك انتصارا لمبدإ إنساني لا يمكن أن تحيد عنه الفيفا، أن يعطى اللاعبون الحق في تغيير جنسيتهم الرياضية متى تطابقوا مع المعايير الموضوعة ومن دون إسقاط لقراءة نمطية لا تبتغي المرونة.
واليوم عندما تستجيب الفيفا لملتمس الجامعة الذي تمت صياغته بروح القانون الوضعي وباستحضار للبعد الإنساني، وتسمح لمنير الحدادي بتغيير جنسيته الرياضية ليحقق أخيرا حلمه في اللعب لمنتخب بلده الأصلي، فإن ذلك يدل على مصداقية الجامعة كمخاطب وكشريك جدي وفاعل للمؤسسات الدولية، ففي سياقات زمنية سابقة كان من غير الممكن أن نحقق مثل هذا النجاح الرياضي والإستراتيجي، بسبب أننا لم نكن نملك لا الرجال ولا الأدوات التي تنتصر لقضايانا، وتستثمر على نحو جيد في المصداقية التي تتمتع بها بلادنا في مختلف الصعد داخل الهيئات والمنظمات الدولية.
إن قيمة ما اقرته الفيفا بشأن ملف منير الحدادي، ليست بالأساس في كون الفريق الوطني ربح لاعبا يمكن أن يمثل للناخب الوطني وحيد خاليلودزيتش قيمة فنية مضافة، ولكنها تكمن في أن الجامعة من خلال رئيسها ومن خلال متانة وقوة المشاريع التي تتبناها ضمن أوراش إعادة الهيكلة، باتت تمثل للفيفا وللكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، فاعلا كرويا ذا مصداقية عالية ويمكن حتما الوثوق به، وهذه بحسب رأيي المتواضع أقوى ما يمكن أن نبلغه في عملنا من أجل تلميع الصورة خارجيا ومن أجل إبراز الكفاءة المغربية، فما أضيع الوقت الذي مر علينا ونحن نعيش على الهامش.
اليوم وقد حقق المغرب حلم واحد من أبنائه، بتخليصه من عتمة وظلمة المسير الدولي ومن بطش الفئوية التي باتت تطبقها الإتحادات الأوروبية على منتخباتها الوطنية، ستكون لوحيد كل الصلاحية لوضع منير الحدادي في صلب مشروعه التقني، ولا شك عندي بأن هذه الإنفراجة ستحفز منير ليستعيد النسخة الجميلة التي كان عليها في بداياته الإحترافية مع برشلونة.