العودة أصل الحكمة..
الخميس 25 يونيو 2020 - 14:48لم تفاجئني الحكومة ولا الجامعة، وهما تقرران مع سبق اقتناع وجدوى، رفع الحجر على البطولة الإحترافية، بل وعلى النشاط الكروي برمته، لأنني كنت أتوقع هذا القرار للإعتبارات الإستراتيجية والرياضية وحتى الإقتصادية التي أوردتها في كثير من تناولاتي للشأن الكروي الوطني في صراعه مع الجائحة، بل ما كان سيفاجئني وسيصدم لا محالة الكثيرين بيننا، أن تمرر الحكومة للجامعة قرار نافذا وسياديا، يرسل البطولة الإحترافية للموسم الحالي إلى المنفى الذي ليس منه عودة ولا مفر، لأن قاعدة فكرية نعمل عليها في تحقيق العدالة الكروية ستسقط، وإن سقطت فإنها ستسقط لوجود قوة هادمة أكثر منها قاهرة..
كان خوف البعض كبيرا من هذا الصعود المخيف لحالات الإصابة بالفيروس اللعين في أيامنا الأخيرة، وقد ظننا أننا دخلنا المنحنى التنازلي في حربنا على الوباء، الخوف من أن تكون هذه البؤر الوبائية التي تظهر هنا وهناك، سببا في إفشال المسعى الذي كشفت عنه الجامعة من البداية وعضت عليه بالنواجد ولم تبد عنه فراقا ولا تنازلا، أن تعود البطولة لاستكمال ما بقي منها من ثلث هو ما سيحدد لها بطلا بدرجات السمو والإستحقاق، والواقع أن فوزي لقجع رئيس الجامعة الذي أحجم في الآونة الأخيرة كأي رجل دولة، عن الرغي والإستزادة في الكلام الذي قد يفهم على غير قصده، كان على درجة كبيرة من الحذاقة في تصريف الملف الشائك، وعندما ربح باقتدار رهان العودة للتباري بما يحققه ذلك من محاسن يضيق المجال لسردها، فإنه لم يسقط في شرك الإنتقائية، بل قرر رفع الحجر عن كل البطولات بما في ذلك بطولة الهواة التي يئس أصحاب الشأن فيها من عودتها، فصمموا خمسة سيناريوهات لإنهاء فصول موسم ظنوه معاقا، ليفاجأوا يوم الثلاثاء الماضي ورئيس الجامعة يدعوهم لاستجماع قواهم والعودة لملاعب التباري لإكمال ما بقي من موسمهم، ومؤكد أن وزارة الشباب والرياضة ستساعدهم وكل الأقسام الأخرى، على تحمل الأعباء المالية للعودة والتي إن انضافت للنزيف القوي الذي أحدثته جائحة «كورونا» وقد جففت صنابير الدعم، لهدت الأكتاف ولدمرت ما بقي من طاقة لإيجابية ومن صبر في الصدر.
ليس لأي كان الحق في أن يدعي البطولية في قرار العودة ورفع الحجر عن البطولة، فالقرار سيادي ومدروس وموجه لقضاء مآرب عديدة، أولها وأقواها إسعاد المغاربة بعودة ترفع عنا جميعا تكاليف جدل حارق كان سيثيره قرار التعليق الكامل لبطولات الموسم الحالي، ولكن ما اعتمدناه في «المنتخب» من أدرع تشبثنا بها في إبحارنا العسير منذ بداية الجائحة لدعم موقفنا من عودة البطولة، هو ما يعطينا الحق كاملا في الإعتزاز بأن ما تضعه «المنتخب» من محددات فكرية ورياضية لصناعة الرأي وللمساعدة على اتخاذ القرارات الصعبة والإستراتيجية، هو ما يساعدها دوما على أن تكون مستبقة وموجهة وداعمة لتيار العقل في حلحلة الأزمات واقتراح البدائل.
تعود البطولة الوطنية بكافة أقسامها وتتحقق العدالة ويتحقق مبدأ تكافؤ الفرص، وفي عودتها التي ألحينا مع الجامعة عليها، ما يمكن أن يجنب مشهدنا الكروي الكثير من الإحتقانات التي جهزها هواة إثارة الفتن لجعلها بؤرا لوباء ألعن من وباء كورونا وأشد مضاضة من وقع حسام التفرقة.
تعود البطولة الوطنية بكافة تفرعاتها لتقدم الدليل على نبوغ جديد في تدبير الأزمات والجائحات، وعلى المعنيين المباشرين بالأندية الوطنية، أن يكونوا في مستوى هذا التحدي الكبير، بأن يجعلوا من هذه العودة انتصارا للقيم التي تجمعنا كعائلة رياضية، قيم التنافس الشريف الذي لا يعكر صفاءه أي سلوك هجين من أي طبيعة شاذة، وقيم الإحتفال بكرة القدم الحاملة لكثير من الرمزيات، وقيم النزاهة والصفاء التي لا تترك مجالا لأي نار فتنة ترمى على الحطب الجائع.
تعود البطولة الوطنية ويتحرك الوطن من شماله إلى جنوبه ليجعل من كرة القدم سلاحا آخر نقضي به على فيروس كورونا، فلا تخيبوا الظن فيكم..