ADVERTISEMENTS

أي إعداد ذهني للاعبين في حجرهم الصحي؟

المنتخب: الرباط الجمعة 24 أبريل 2020 - 16:45

من يحميهم من الملل والتوتر ومن يحافظ على طاقتهم الإيجابية؟
الذهن هو مستودع الثقة ولا صناعة للإنجاز من دون صفائه

الرياضي قبل أن يكون جسدا يرسم بالحركة..
وقبل أن يكون عضلات تتناسق لتبدع ذاك الفسيفساء الحركي الجميل.. وقبل أن يكون مخزونا بدنيا يجب تعبئته باستمرار حتى لا ينضب..
هو إنسان يفكر، يشعر، يفرح، يحزن، يكتئب وينطوي، يضعف في لحظات الهزيمة وينفجر سعادة ولربما خيلاء في لحظات الإنتصار، هو ذهن إن صفا من كل المعطلات، وإن قوي على ركوب الشدائد والتحديات، كان الباب مشرعا أمامه للنجاح.
لذلك فإن ذهن الرياضي ولاعب كرة القدم تحديدا، قد يسبق من حيث الأهمية في صناعة الإنجاز، كل أعضائه المنتجة للحركة وللإبداع، فلم يكن اعتباطا، أن يحضر الإعداد الذهني على طاولة كل البحوث التي ارتبطت بصناعة التميز وبرياضة المستوى العالي.
واليوم ولاعبو كرة القدم، إسوة بكل الرياضيين، يعيشون حجرهم الصحي الممتد على مساحة زمنية لن تقل عن الستين يوما، هم بالتأكيد عرضة للقلق وللتوجس بحكم حالة الإحتباس التي يوجدون عليها وهم من تعودوا على الحركة وعلى صخب الملاعب وعلى ضجيج السباقات الأسبوعية نحو تحقيق الإنتصارات..
ومع حضور هذا القلق والتوجس والخوف من الآتي، تبدو الحاجة ماسة إلى إعداد ذهني يحقق للاعبين القدر العالي من الحماية ويوقظ حواسهم ويرفع منسوب طاقتهم الإيجابية.

إنهم نسوا الإعداد الذهني؟
يقولون أن المناسبة شرط، ومناسبة إثارة ملف الإعداد الذهني ما نعيشه اليوم من حجر صحي، وما يمثله هذا الإنطواء القهري من خطر على ذهنية اللاعبين، فإن فكرت الأندية في إمدادهم ببرامج أسبوغية لتداريبهم البدنية داخل منازلهم تحت مراقبة المعدين البدنيين، وإن مدتهم في بيوتهم بدراجات وأحصرة كهربائية وما يساعد على تنمية القدرات البدنية..
إن فكرت الأندية في مد لاعبيها ببروتوكول غذائي منعا لأي زيادة مفرطة في الأوزان، فهل فكرت في إسعافهم ذهنيا، في إعدادهم نفسيا لتجاوز هذه المرحلة الصعبة والإستثنائية التي لم يكن بالقطع مخططا لها؟

بالقطع سنجد أن الجواب هو لا؟
لن نعمل بالإستثناءات لأن القياس مستحيل معها وهي التي تمثل نتفا صغيرة في قاعدة كبيرة، هي إهمال الجوانب الذهنية والنفسية في مرافقة ومصاحبة اللاعبين، لذلك سنقول ومناسبة هذا الحجر تهوي علينا بكثير من الأسئلة، أن الإعداد الذهني والنفسي يكاد يكون مفقودا في منظومة العمل التقني داخل الأندية الوطنية، برغم ما تثبته الدراسات العلمية الواردة علينا من القارات الأخرى الحديثة منها طبعا، والتي تقول أن الإعداد الذهني للرياضيين يأتي أحيانا في مقام أول في تأهيلهم، فالذهن هو مستقر الإرادة ومستودع العزيمة، إن أصابته علة تداعت له بالحمى كل الجوانب الأخرى التي لها ارتباط بتأهيل الرياضيين، البدني والتقني التكتيكي.

الحلقة الضائعة أو المفقودة
في خطاباتنا النقدية للمباريات وفي التعليلات التي يقدمها المدربون عند انتهاء مباريات أنديتهم أو حتى قبلها، تكون الإشارة إلى أن ما تأثر به اللاعبيون هو الجانب الذهني، وتتوارد الأوصاف المرضية لهذا الإنهيار الذهني، تراجع وضعف التركيز، غياب النجاعة، الخروج عن النص الجماعي، ضعف ردات الفعل وعلى الخصوص التدبير السيء لحمولات الضغط.
والحقيقة أن اللاعبين متى فقدوا الثقة في أنفسهم ومتى لم يلعبوا على حقيقة إمكانياتهم ومتى ضعف عندهم التركيز وأصابهم اليأس والإحباط، فإنهم بالتأكيد لن يقدروا على تمثل الأدوار التكتيكية ويكون من السهل وقتها سقوطهم أمام منافسين أضهف منهم أحيانا.
مع هذا التأكيد على قوة المؤثرات الذهنية والنفيسة في منظومة اشتغال اللاعبين كأفراد وكمجموعة، فإننا إلى الآن لم نع جيدا ما يمكن أن يأتي به الإعداد الذهني والنفسي من منافع، وما يمكن أن يجلبه للفريق كمجموعة وكلاعبين من عناصر قوة تساعدهم على كسب التحديات، بدليل أن أندية قليلة جدا هي التي آمنت بضرورة حضور معد ذهني ونفسي في طاقمها التقني، كما يحدث اليوم مع الدفاع الجديدي الذي كان سباقا للإرتباط بالأستاذ علي العطاوي المتخصص في الإعداد الذهني والنفسي للرياضيين.

مسألة وقت فقط؟
والحقيقة أن وجود معدين ذهنيين داخل الأطقم التقنية للأندية وللجامعات الرياضية بالمغرب، هو مسألة وقت ليس إلا، لأن ما تدلنا عليه التجارب الدولية يقول أن لا صناعة للإنجاز وللتميز في أي من الأنواع الرياضية من دون إعداد ذهني، بل إن كثيرا من الدول سارعت إلى وضع معدين ذهنيين في مراكز التكوين، في مراحل دقيقة من بناء شخصية الرياضي / البطل، حيث يكون لزاما أن ينشأ الرياضي على مجموعة من القيم الأخلاقية والدعامات النفسية ومحفزات الإبداع.
وسينتهي الأمر عن قريب بالأندية الوطنية إلى إدخال الإعداد الذهني ضمن طواقم الإشتغال، كما كان الحال مع الأطباء الرياضيين ومع المعدين البدنيين ومع أساتذة التغذية.
فلو نحن عدنا إلى أربعين سنة خلت لوجدنا أن الطاقم التقني للفريق ليس به سوى المدرب والمعالج، ومع توالي السنوات بدا واضحا أن المدرب لا يمكنه قطعا أن يدير جوقة من اللاعبين من دون مساعدين، فأصبح له معد بدني وطبيب كامل الإختصاص ومدرب للحراس ومسؤول عن التغذية ومكلف بقراءة الخصوم، والحال أن هذه الجوقة من المعدين التقنيين والتكتيكيين والبدنيين لا يمكن أن تكتمل إلا بوجود معدين ذهنيين يتكفلون بالحلقة الأضعف في منظومة التأطير، الجوانب الذهنية والنفسية.

من يستغني عن "كوتش مونطال"؟
إن إثارتنا لهذا الملف الساخن، غايته أن نعيد فتح العيون على حقائق يعرفها رؤساء الأندية ويعرفها المدربون ويتجاهلونها بسبب ضائقاتهم المالية، وبسبب تعنت بعض المدربين في الجزم بأن الإعداد الذهني هو تخصص علمي قائم بذاته، وأنا هنا لا أقول أنه علم لأنه بالأساس يندرج ضمن شعب علم النفس، فلا مجال بعد اليوم لمزيد من تجاهل الأدوار الإستراتيجية للتأهيل الذهني لكل لاعب على حدة للمجموعة ككل، في زمن كثر فيه الحديث عن "كوتش مونطال" يحتاجه الناس العاديون ليقووا على تحمل تكاليف الحياة وليصنعوا القرارات المصيرية في حيواتهم وليقللوا من تأثير الفشل على محيطهم وعلى نفسياتهم.
هذا الملف هو بمثابة حجرة صغيرة نرمى بها في مياه راكدة، عسى أن تتحرك هذه المياه فتأتي بما ينفع الرياضة المغربية وكرة القدم على وجه التحديد..    

تنبيه هام

تؤكد «المنتخب» أنها تمنع منعا باتا استنساخ أو نقل أو نشر مواضيع أو صور منقولة من نسختها الورقية أو من موقعها الإلكتروني سواء بشكل كلي أو جزئي، أو ترجمتها إلى لغات أخرى بهدف نقلها إلى الجمهور عبر أي وسيلة من وسائل النشر الإلكترونية أو الورقية… وكل مخالف لذلك سيعرض نفسه للمتابعة أمام القضاء وفق القوانين الجاري بها العمل.

ADVERTISEMENTS
مواضيع ذات صلة
ADVERTISEMENTS