أمسكْ العصا من المنتصف
الثلاثاء 19 نونبر 2019 - 11:41تختلف مدارس التدريب وتتباين عقليات المدربين، بين متسلط ديكتاتور ومتقرب ودود ومزاجي متقلب ومتمايل.
شاء القدر وبعده لقجع أن يتولى تدريب الفريق الوطني واحد من أكثر المدربين صرامة في العالم، والمعروف بحزمه إلى درجة التشدد، والذي يعطي الأولوية للإنضباط قبل الموهبة والإضافة التقنية، مع عشق أبدي لإرتداء زي الجنرال الحاكم في ثكنته العسكرية.
وحيد يتقن أكثر التكلم بلغة الوعيد، وما خطابه المباشر منذ قدومه للاعبين سواء فيما بينهم أو عبر منابر الندوات الصحفية، إلا دليل على الطقوس الجدية والصارمة التي باتت تطغى على تربصات الأسود، حيث لا أفضلية لهذا على ذاك، ولا مجاملة لهذا النجم على حساب الآخرين، ولا محاباة ولا دلل ولا هم يزيغون.
كل هذه القواعد والقانون الداخلي الذي جاء به خليلودزيتش شيء رائع ومحمود، خصوصا ليمحو آثار الحقبة السابقة التي عرفت الكثير من التسيب، وتطبيق العقوبات على الضعفاء فقط من اللاعبين، والتساهل المبالغ فيه مع المخضرمين والعمداء والمقربين.
لكنني أخاف أن ينطبق المثل الشعبي «جا يْكحّل ليها عْماها» على الناخب الوطني، بفرضه هذه السياسة العسكرية الحادة مع اللاعبين، والعواقب التي قد تنتج عنها، بداية بنفور البعض وتهرب البعض الآخر، وتشنج حبل الإتصال بين القائد وفرسانه، وعدم مرور التيار بشكل واضح وسلس، إلى حد إمكانية ظهور «نقابة» وتحالفات داخلية قد تطيح برأس البوسني، كما يحدث في العديد من الأندية والمنتخبات العالمية، والتي يضجر لاعبوها من تصرفات المدرب وتصريحاته اللاذعة التي تنتقذهم علنا، لتكون النتيجة تمرد وعصيان وتآمر.
وحيد عن قصد أو غير قصد بدأ ينشر غسيل عرينه أمام الإعلام، كحديثه عن ما وقع بينه وبين حارث في إتصال هاتفي كان يجب أن يبقى سرا بينهما، لا أن يعاتب اللاعب أمام الملأ على مكالمته وتوقيتها المتأخر ومضمونها، في تصريح سيؤثر سلبا على مايسترو شالك الألماني، وسيدفع لاعبين آخرين للتفكير ألف مرة قبل التواصل مع وحيد، ومحاولة التقرب إليه لفهم ما يحدث ووضع النقاط على الحروف.
هناك نوعية من اللاعبين الحساسين الذين لا يحبذون طريقة تواصل وحيد وفلسفته، وقد يحقدون ويتهربون لاحقا من نداءاته ودعواته، وهم الذين أدمنوا الوضوح والشفافية والحميمية داخل أنديتهم الأوروبية، والتقرب من مدربيهم الذين يلعبون أدوارا متعددة، بين الأبوية والعائلية والمهنية، ويضطرون في الكثير من الأحيان لإختراق محبذ للحياة الشخصية، لفك المشاكل وإيجاد الحلول، وشحن البطاريات المعنوية والنفسية المهمة جدا للاعب داخل وخارج الملاعب.
حارث لم يتقبل كيف إستقبل خبر إستبعاده كبقية العموم، ولماذا لم يبادر خاليلودزيتش مسبقا للإتصال به وشرح له سبب الإقصاء المؤقت قبل صدور اللائحة، وإلى جانبه إستشعر محمد إحطارين قبل أيام بالتبخيس وهو يكتفي بحديث جانبي مع المساعد مصطفى حجي، دون أن يكلف الجنرال البوسني عناء إقناعه والتودد إليه، ليقرر في الأخير عدم الإشتغال معه، وإختيار الطواحين والمدرب كومان الذي إتصل به أكثر من مرة وتنقل عنده شخصيا لإقناعه.
وحيد مدرب مشهور وبسيرة ذاتية محترمة، لكن معها الكثير من النقاط السوداء المتعلقة باللاعبين والمسيرين والإعلاميين، والتشدد في فرض الصرامة وتحويل التربصات إلى ثكنات مغامرة خطيرة قد تتسبب في إنقلابات، كون ممارسة السلطوية المبالغ فيها ونهج سياسة الترهيب قبل الترغيب، تحرض على الإنشقاق والتفرقة والإنفلاتات.
قبل سنة ونصف سألوا لاعبي ريال مدريد عن سر الفوز بثلاثة ألقاب متتالية لعصبة الأبطال الأوروبية، فأجمعوا على وصفة مستودع ملابس المدرب زين الدين زيدان الذي نعتوه بالشقيق والصديق والرفيق وكاتم الأسرار، وهي الرسالة الدالة والحاملة للكثير من المعاني والتي حبذا لو فتحها وحيد ليفهم، بأن الليونة والإنفتاح والتقرب، وإمساك العصا من المنتصف وتحبيب اللاعبين فيه قولا وفعلا، هي السياسة الذكية التي ستحفزهم ليضحوا وينزفوا ويتهيجوا لمكافأته وإكرامه، وبالتالي إنجاح مهمته مع الأسود.