ثقافة الإعتراف
السبت 08 دجنبر 2018 - 19:01لقطة تسليم بدر بانون لشارة العمادة لأولحاج ومنحه شرف رفع كأس الكونفدرالية، أثبتت أن أجمل ما يمكن أن يُكافَأ به المرء إلتفاتة شكر وإمتنان وتقدير، وأفضل تحفيز هو الإشادة والإعتراف والتصفيق، وجزاء كل شخص جاد الدعم والمؤازرة ورد الجميل، بمكافآت وإلتفاتات معنوية أو مادية تترك الأثر النفسي العميق.
أغلب الميادين والمهن في العالم تنبني على العمل الجماعي، وتتأسس على الإشتغال كفريق وبُنيان مرصوص، كل فرد يساهم حسب إستطاعته وقدرته في حصيلة المنتوج النهائي، والمبتغى تحقيق الأهداف الربحية، وخدمة أجندة المشغِل وفق قواعد الإنضباط والإحترافية والمسؤولية.
في الرياضة كما في باقي المجالات ثقافة الإعتراف مهمة جدا إن لم تكن بطارية الأفراح وسر النجاح، وإقتسام لذة ونشوة الإنتصارات بين جميع المكونات أمر لا بد منه، سواء بالإشادة والإعتراف اللفظي والمعنوي العلني، أو الهدايا الرمزية منها والثمينة، للتعبير على أن ما تم الوصول إليه تحقق بمجهود جماعي وفريق كامل، ولو تعلق الأمر ببعض الرياضات الفردية التي يكون فيها البطل الظاهر في الصورة شخص واحد.
النجوم المحترفون والمتواضعون مثلا والذين يملكون تربية رياضية وإجتماعية وعقلية حب الخير للغير، لا يترددون في الإعراب عن تقديرهم للآخرين مهما كبُر أو صغر شأنهم، ولا يفكرون كثيرا قبل فتح الحقائب وصرف الملايير لإقتناء هدايا للزملاء والمتعاونين، أما الأساطير المزيفون والعاشقون لتراكم الثروة فينكرون الجميل ويتنكرون للأصدقاء وحتى العائلة فور بلوغ عتبات النجومية والشهرة والألقاب، ويعتبرون أن ما حققوه جاء بصورة عصامية وموهبة شقت طريقها بصبر ومعاناة لتعبر العراقيل والأشواك.
كريستيانو رونالدو من بين أكثر الرياضيين ونجوم كرة القدم عبر التاريخ الذين يملكون ثقافة الإعتراف، والصور عديدة وغزيرة عن ما قام به هذا الإنسان وما يزال مع محيطه وزملائه وحتى الذين لا يعرفهم، ويكفي إستحضار ما فعله الدون حينما كان لاعبا بريال مدريد، وما كان يقوم به سنويا فور أي تتويج فردي أو جماعي، محتفلا ومعترفا بالمساهمة الرئيسة والكبرى لمن يساعدونه ولو بكلمة تحفيز ودعم معنوي.
رونالدو وبعد فوزه بالكرة الذهبية الرابعة والتتويج بعصبة الأبطال الأوروبية مع الملوك، أهدى لجميع لاعبي ريال مدريد ساعات فاخرة مرصّعة بالألماس، ومنح لأربعة مدلّكين ومعالجين طبيعيين ومتعاونين بنفس الفريق سيارات باهضة الثمن، وشكر قبلهم وكيل أعماله خورخي منديز بإهدائه جزيرة يونانية، وما خفي كان أعظم، وكل هذا كعربون وفاء وتقدير وإعتراف بأن ما حققه رونالدو مع الميرنغي وفي مسيرته ككل وراءه عشرات الأفراد.
خلال الأسبوع الماضي أطل النجم الأرجنتيني إيكاردي بمبادرة رائعة وشبه مماثلة، بمنح جميع لاعبي أنتر ميلانو الحاليين والوافدين الجدد وحتى الذين غادروا النادي ساعات «روليكس» فخمة، قائلا بأنه أبسط شيء يمكن أن يقوم به ويشكر من خلاله زملائه الذين ساعدوه على الظفر بلقب هداف الكالشيو الموسم الماضي.
وبعيدا عن المكافآت المالية والهدايا النفيسة للنجوم، فثقافة الإعتراف والشكر تحضر يوميا في الملاعب الأوروبية، فمثلا حينما يسجل أحدهم هدفا يذهب مباشرة لزميله الذي مرر له الكرة ويثني عليه ويعانقه بحرارة، وحينما يتعافى الآخر من الإصابة يشكر الطبيب والمعالج علانية أمام الجماهير والمتتبعين، في وقت يحرص فيه آخرون على تحية المدرب أو الزوجة أو أحد الرفاق بحركات يقول فيها أنه لا يسوى شيئا بدونهم، وما يُكتب ويُنشر في مواقع التواصل الإجتماعي أعمق بكثير.
أما عندنا في المغرب فهذه الصورة شبه منعدمة وثقافة الإعتراف تكاد تكون نادرة، ومن الظواهر المضحكة مثلا في مبارياتنا والتي تلخص كل شيء، أنه حينما يسجل أحدهم هدفا ويذهب زميله الذي أهداه تمريرة الحسم للإحتفال معه، يدفعه ويصرخ في وجهه، ويطلب منه الإبتعاد وفسح الطريق، حتى يطلق العنان لأقدامه ويفرح بشكل هيستيري ويقول «أنا لّي كاين»، إن لم يقُده الجنون لإنتزاع قميصه أو تكسير لوحة إشهارية أو سب الجمهور أو توجيه رسالة مسمومة لمسير أو مؤطر.
بون شاسع بين الهواية والإحتراف في العقلية والممارسة والسلوك والتربية، فأصحاب المبادئ والإيثار والذين يعطون لأبسط الأشياء والحركات قيمة إعتبارية ضخمة، يتشبعون بثقافة الإعتراف والتحفيز والإمتنان، ويحرصون دائما على تقديم الهدايا معنوية كانت أو مادية، ومن لم يستطع منهم لبُخله أو فقر أخلاقه يربط لسانه ويصمت.